الإنسانية، فإنه هنا لا يفرق بين الطيب والخبيث، والنافع والضار، وحسبه أن يعطفك على الأضعف منك، رديئاً كان أم جميلاً!
وليست هذه بالإنسانية العليا. . .
أما إنسانية حافظ إبراهيم فإنسانية عليا.
إنه يعطفك على المعوز والمحتاج، ويعطفك على المنكوب والمكلوم، سوء كان ضعيفاً أم قوياً، ولكنه لن يعطفك على الظالم والخبيث.
على أن هذا لا يعني أن أبا العلاء لم يكن شاعراً إنسانياً عالياً في نواحيه الأخرى، فأبو العلاء كان ولا شك شاعراً إنسانياً عالي الإنسانية مرهفها، وهو الذي لم يتزوج حتى لا يجني على أبنائه، ثم قال: هذا جناه أبي علي، وما جنيت على أحد.
ويلتقي حافظ إبراهيم وأبا العلاء في هذه الناحية، وإن كان تزوج لأيام لا تعدو الأربعين، ثم أنفصل عن زوجه، ولكنه يقول:
وددت لو طرحوا بي يوم جئتهمو ... في مسبح الحوت أو في مسرح العطب
لعل (مانيَّ) لاقى ما أكابده ... فود تعجيلنا من عالم الشجب
فحافظ إذن يلتقي مع أبي العلاء في ناحية ويخالفه في أخرى.
قال حافظ في إحدى قصائده في جمعية رعاية الأطفال:
قد مات والدها وماتت أمها ... ومضى الحمام بعمها والخال
وإلى هنا حبس الحياء لسانها ... وجرى البكاء بدمعها الهطال
فعلمت ما تخفي الفتاة وإنما ... يحنو على أمثالها أمثالي
فهو يحس أن له رسالة إنسانية كبرى، تحنو على الفقير والضعيف والمريض.
ويقول في رثائه تولستوي:
ولست أبالي حين أبكيك للورى ... حوتك جنان أم حواك سعير
فإني أحب النابغين لعلمهم=وأعشق روض الفكر وهو نضير
دعوت إلى عيسى فضجت كنائس ... وهز لها عرش وماد سرير
قضيت حياة ملؤها البر والتقى ... فأنت بأجر المتقين جدير
وسموك فيهم فيلسوفاً وأمسكوا ... وما أنت إلا محسن ومُجبر