للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وما أنت إلا زاهد صاح صيحة ... يرن صداها ساعة ويطير

حياة الورى حرب وأنت تريدها ... سلاماً وأسباب الكفاح كثير

أبت سنة العمران إلا تناصراً ... وكدحاً ولو أن البقاء يسير

تحاول دفع الشر والشر واقع ... وتطلب محض الخير وهو عسير

ألم تر أني قمت قبلك داعياً ... إلى الزهد لا يأوي إليَّ ظهير

أطاعوا (أبيقورا) و (سقراط) قبله ... وخولفت فيما أرتئي وأشير

ومت وما ماتت مطامع طامع ... عليها ولا ألقى القياد ضمير

أفاض كلانا في النصيحة جاهداً ... ومات كلانا والقلوب صخور

هذه هي دعوته للحق وتحكيم الضمير والعمل للخير المطلق، بين الناس والأمم جميعاً، لا فرق بين دين ودين، كما قال في حرب طرابلس، مخاطباً البابا:

بارك المطران في أعمالهم ... فسلوه بارك القوم على ما

أبهذا جاء إنجيلهمو ... آمراً يلقى على الأرض سلاماً

ثم أسمعه يقول في زلزال مسينا، بعد أن وصف نكبة الطليان، واستدر عليهم عطف العالم جميعاً.

وسلام على امرئ جاد بالدمع وثنى بالأصفر الرنان

ذاك حق الإنسان عند بني الإنسان لم أدعكم إلى إحسان

فاكتبوا في سماء رجيو ومسين وكالبريا بكل لسان

هاهنا مصرع الصناعة والصوير والحذق والحجا والأغاني

إنه يستعطف بني الإنسان من كل لون وجنس ولسان، وإن كان يقول أن هذا ليس إحساناً، لأنه حق الإنسان عند أخيه الإنسان، وكأنما يثأر حافظ للضعيف هنا، وينتصر للمغلوب، حين ثار الزلزال والبحر فأهلك مسينا وأهلها.

ولكنه في قصيدته عن حرب طرابلس، يحمل على الطليان حملة عنيفة شعواء ويسخر منهم سخراً مراً، ويستعدي عليهم العالم، فما سبب ذلك؟

سبه إنسانيته أيضاً، وانتصاره للضعيف المغلوب.

ومن هذا أيضاً شعره الرثائي، فشعر الرثاء في ذاته من أعلى ضروب الشعر الإنساني!

<<  <  ج:
ص:  >  >>