العريض بين أهل السنة والمعتزلة في الصرع والمس حيث قد ذهب الفريق الأول إلى حدوث ذلك، وقد استشهدوا بحديث رواه البخاري، كما أجاز بعض الحنفية زواج الجنية من الإنسي!! قال الجاحظ (وزعموا أن التناكح والتلاقح قد يقع بين الجن والإنس لقوله تعالى وشاركهم في الأموال والأولاد؛ وهذا ظاهر لأن الجنيات إنما تتعرض لصرع رجال الإنس على جهة العشق في طلب الفساد، وكذلك رجال الجن لنساء الإنس ولولا ذلك لعرض الرجال للرجال والنساء للنساء. قال تعالى لم يطمثهن إنس قبله ولا جان، ولو كان الجان لا يفتض الآدميات ولم يكن ذلك في تركيبه، لما قال الله تعالى ذلك القول).
وهذا قول لا يدري حقه من باطلهن وإلا فكيف نقول لمدنف عاشق يهوى فتاة معنية باسمها وصفتها إن به مسا من الجن!! ولماذا يزول المس إذا اقترن بمحبوبته الإنسية؟ وأين الجنية المزعومة إذن؟ كل هذا تدجيل صارخ فطن إليه من قال.
وقالوا به من أعين الجن نظرة ... ولو علموا قالوا به أعين الإنس
وكم في الحياة من أكاذيب!!
بقى أن نتحدث عن العوامل الأخلاقية، وهي ذات الحظ الأوفر في اختلاق الأساطير، لأنها ترجع إلى عامل واحد، هو الافتخار بالمواهب؛ وقد شاع لدى العرب أن الجن متقدمون عن الإنس في كل شئ، فهم مصدر الإلهام في الشعر، ومنبع الوحي في البيان، وهم أولو البأس في القتال والصيال، وهم سلاطين الصحراء وأمراؤها، يستأذنون فيأذنون، ويأمرون فيطاعون. كل أولئك قد جعل أصحاب الزهو والخيلاء يزعمون أنهم يفوقون الجن في مواهبهم، ويزاحمونهم بمنكب ضخم في مناقبهم، وما من دليل سوى الأساطير المزعومة يخلقا أولو الفخر الكاذب فيتناقلها الناس على ممر العصور!!.
فالشاعر مثلاً يرى أن منزلته لا تعظم في قبيلة إلا إذا زعم أن الجن تلهمه ومن ثم يتجه إلى وادي عبقر كل يوم حيث يصعد إليه الوحي من الأرض، بدل أن يهبط عليه من السماء!! ونحن ننظر فنجد ذا الرمة وأبا النجم، ورؤية والأعشى وغيرهم يدعون أقرانهم من الشياطين، هم ناظمو القصائد ومبدعو المعاني والأساليب، وربما سمى الشاعر قرينه باسم معين، وذهب يفتخر به في كل ناد، كما قال الأعشى في قرينه (مسحل).
وما كنت شحذوذا ولكن حسبتني ... إذا مسحل يسدي لي القول أعلق