شريكان فيما بيننا من هوادة ... صفيان، إنسي وجن موفق
وصحائف الأدب مليئة بما يماثل ذلك، وربما كان أصل هذه الفكرة لدى العرب أن شاعراً حسد زميله في إبداع، فأدعى أن الشيطان هو الذي يجري البيان على لسانه، وفي جمهرة أشعار العرب أساطير تؤيد ما نقول، ومن ذلك ما زعمه ابن المرزوي عن أبيه أنه مر على جماعة ظباء في سفح جبل، فرأى شبحاً ذا منظر غريب فارتاع من، فقال له اذكر الله ولا تخف ثم سأله: أتروي من أشعار العرب شيئاً؟ فقال المرزوي: نعم وأخذ يروي له شعر عبيد بن الأبرص!؟ فسأله الشيخ من قائل هذا الشعر؟؟ فقال: عبيد، فتهافت وقال: ومن عبيد، لولا صاحبه هبيد؟! ثم شاعت بهذه الخرافات فكرة الأخذ عن الجن فكان كل شاعر يأتي بعد ذلك يزعم أن له قرينا، بل ميز شيطانه بخصائص لا توجد في غيره، كما زعم أبو ألنجم وشركاؤه. وأتى من الراوة من بسط الحبل على امتداده، فقيض لكل شاعر أنجبته الجاهلية شيطاناً فهو له قرين، وإن لم يعترف به الشاعر نفسه، فلا قط قرين امرئ القيس، وهاذر صاحب النابغة، وجهنام شيطان عمرو بن قطن وغير هؤلاء لا يحصون!!.
هذا في الشعر والأدب؛ أما الافتخار بالشجاعة فقد أورث العربية تركة مثقلة بالخرافات، فكل صعلوك يزهى ببسالته، ويختال ببطشه، يختلق من الأساطير ما يؤيد دعواه، فيزعز أنه حارب الجن، ولقى السعلاة فضربها بسيفه، وامتطى الغول في البيداء، وقد زعم صاحب الأغاني أن ثابت بن جابر لقي الغول في ليلة دامسة، فأخذت عليه الطريق، فلم يزل بها حتى قتلها وبات عليها، فلما أصبح حملها تحت إبطه وجاء بها إلى أصحابه فقالوا له لقد تأبطت شراً، فلقب بهذا القول وعرف به لدى الجميع.
ومهما يكن من شئ فإن تأبط شراً قد أكثر من الحديث عن الجن إكثاراً لم يتح لغيره. وكأنه رأى في انتصاره الموهوم على الغول ما يبرر له كل اختلاق، فذكر في شعره محاورة قامت بينه وبين غول ضربها ضربة واحدة بسيفه، فقالت له: ثن الضربة، فأبى كيلاً تعود لها الحياة إذا ضربت مرة ثانية حسب اعتقاده، كما زعم أنه قابل وفداً من الجن فأشعل النار ونحر الذبائح ودعاهم إلى الطعام، فذكروا أنهم يحسدون عليه الإنس فهم لا يأكلون كما نأكل، اسمعه يقول من أبيات.