للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إحدى وعشرين (٦٤١م).

ويقول الشيخ (ولم يعشم لنا نصيب، بدخول مدينة حمص العجيب، تكويناً ومزدرعاً وأمواهاً، لأن الخراب عمها حتى فيها ظهورها تناهي، وكان أكثر خرابها من الموالي الذين منوالاهم لم يوال الموالي، على أن فيها من المزارات السادات الكثير ويغلب على أهلها البلاهة والتغفل مع الجد والتشمير، ولقد دخلت جامعها الكبير فرأيته آيل إلى التعمير، فصليت فيه الظهر والعصر، بنفر غير كبير).

وفارق حمص في الصباح، ولم يسر غير قليل حتى بزغت الشمس وإذا بخيول كأنها سيل يسيل من عرب يفسدون في الأرض دون إصلاح، لا يعرفون صلاحاً ولا سلاحاً حتى في صلاح، يرون نهب أموال الخلق مغنماً، وسلامة الخطار من شرهم مغرماً، فأنعمت القافلة كالحرف المشدد، وانحازت المقاتلة إلى جهتهم بالرأي المشدد، فصرف الحق قلوبهم وفَلوا وبعد الكثرة والاجتماع تفرقوا وفلوا وشم الشيخ قرب انصرافهم رائحة قرنفل فقال (قُرِن فلُّ ربِهم) فولوا، ولم يحصلوا على ما أملوا، وأصابهم من الله ضيراً، ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراُ، وعند قرب جسر الدستن كرف ورداً، فقال الشيخ وراد فإذا قافلة تكد كداً).

وفي قرية الرستن مرقد الإمام أبي يزيد طيفور بن عيسى السطاوي، والمذكور له مشيخة على الشيخ، فقرأ له الفاتحة. وقرب العصر وصل حماة، ونزل في جامع مطل على العاصي. وسأل الشيخ من أهل البلد عن سبب خراب ديرتها، فقالوا له قبيلة العرب الموالي التي تنفر الطباع من سيرتها. وقد أشجاه صوت نواعيرها السامي، وأبكاه سراً إذ أنكاه جهراً تذكار مربع مربع وطنه الشامي، غير أن نواعيره صغيرة، وهذه كثيرة كبيرة، وأنشد بيت الصلاح الصفدي:

أبدى لنا الدولاب قولا معجباً ... لما رآنا قادمين إليه

إني من العجب العجيب كما ترى ... قلبي معي وأنا أدور عليه

قال في القاموس: العاصي العرق لا يرقأ ونهر حماه واسمه الميماس والمقلوب، لقب به لعصيانه فإنه لا يسقى إلا بالنواعير.

وسار إلى المحطة ونزل على العاصي، قرب ناعورة تسقي مروجاً أنيقة فتنبت النبات

<<  <  ج:
ص:  >  >>