الحسن النهج والطريقة، وفي الصباح سار يقطع البطاح، ويوصل الليل بالنهار من السهاد، وكان قد وصل إليه كتاب من بعض الأحباب، صدره ب:
يا نسيماً هب من وادي قبا ... خبرينا كيف حال الغربا
كم سألنا الدهر أن يجمعنا ... مثل ما كنا عليه فأبى
وتوجه نحو (المعرة)، وهي على مرحلتين من حلب فبات بها، ثم سار إلى قرية (سرمين) المحتوية على الألوف لا المئيين، ونزل في جامعها الحصين وسار ليلا قاصداً حلب وشهباء، وأصابه عطش لقيظ وحر، حتى وصل سبيل المرأة المرحومة، فشرب وشربت القافلة، وكان معه أخوه لامه أحمد فسبقه معلماً والده الحاج إبراهيم الطويل، فأخذه إلى بيته في القلعة، وكانت تصعب عليه الطلعة، وبعد ثلاثة أيام نزل إلى خلوة في العادلية. وكان الوصول إلى حلب في أوائل شعبان المبارك.
وبعد أيام جاءه رفيق السفر السيد مصطفى المنيني يرجوه بإلحاح أن يمدح مفتي الديار الحلبية أبي السعود الكواكبي. فتردد الشيخ مراراً من الظهور ولكنه نزل على إصرار رفيقه فقال:
سماء الدنيا قد زينت بالكواكب ... كما زينت الغبرا ببيت الكواكبي
أناس لهم في ذروة المجد منزل ... يجل ويعلو فوق كل المراتب الخ.
وقد سر بها المفتي، ودعا الشيخ إلى داره ولما استقر به المقام جاءه عمر أفندي النقيب وسأل عنه، وعن ابن عم الشيخ، وسبب تغير مزاجه، وكان قد اجتمع به لما أتى مع أعيان الشام لملاقاة الشيخ مراد، فأجابه أن هذا الأمر أخبر عنه الشيخ عبد الغني النابلسي. ثم استفسر عن قضية الدراهم التي طلبت منه بعزمان، فلخص له القصة وأنها كانت زوراً وبهتاناً، ومن جملة الشهود على أنها باطلة الشيخ عبد الغني، وأعيان الشام وقد أعلم الشيخ المذكور الوزير بالقضية في مكتوب كبير فجاء العفو، وقبول شهادته. ولم يجتمع الشيخ البكري بالمفتي إلا في العيد بعد الصيام، وكان يتردد وهو في حلب على تكية الشيخ أبي بكر بن أبي الوفا، وليس في خارج حلب أنزه من تكيته وأعجب، ولذا قيل فيها صالحية حلب واصطحب معه شيخ التكية، الشيخ على، وتردد عليه مراراً، وتمرض هو والدادة علي، وعوفي المذكور وتوفي الدادة. وطلب الشيخ مصطفى المنيني رفيقه في الطريق