تعترف أنت بما تراه من كوارث الحب، ثم إن هذا القلب الهادئ المستكين كيف تجسر فترميه بأنه أحب؟؟ أيحب ويقبل النصيحة؟؟
قال الصديق: إن العاطفة الجياشة القوية التي يزخر بها القلب المحب هي التي تنشأ عن معرفته بالحبيبة ودراسته لها، فلا يمكن أن أصدق إنسانا وقع في الحب منذ النظرة الأولى، لأن الجمال وحده في هذا النوع من الحب سيكون العماد. ولو كان الأمر كذلك لأحببنا كل الجميلات اللائى يمررن بنا في الشوارع، ولتدلهنا في ممثلات الشاشة. الحب وليد خبرة ومعرفة ودراسة. والخبرة والمعرفة والدراسة أمور يختص بها العقل وحده. والعقل يتدخل أيضا ليعرف إذا كان صاحبه محبوبا أم لا. وعلى هذا الهدى يتجه القلب.
قال صديق آخر: لعلك محق فيما ذهبت إليه، ولو أن الواقع لا يؤيدك.
- إن الواقع لا يؤيد هذا لأن الفكرة السائدة عند القوم إن الحب لا يكون إلا من النظرة الأولى. وذلك ما يجرهم إلى هذا الحب. إنهم يعتقدون أنهم أحبوا وهم في الواقع براء من الحب
- حسن. . ولكن ما مسألة حب المنطق هذه؟ أأن بعدت الحبيبة أحسست بالشوق ليها في عقلك؟ كيف يتهيأ للعقل أن يحب؟
- إنني لم أقل هذا. ويظهر إنك لم تحسن قراءة المقال.
بل إنني أرى أنه لا شيء في الإنسان يحب غير قلبه. ولكن كيف يبدأ هذا الحب؟ بالقلب وحده؟ أم أن العقل يتدخل في هذا الأمر؟ إنني أرى أن العقل والإرادة يتدخلان، حتى إذا تم الحب، فإنهما يبتعدان كل البعد ولا أرى لهما في الأمر بعد هذا. بل إت المحب إذا أحب يفكر بقلبه. . وبقلبه وحده، ولهذا يخشى عليه إذا كان لم يحسن الاختيار في بادئ الأمر. هذا ما قصدت إليه. لعلك فهمت. فإن لم تكن فأنت مثل صديقك هذا لا تريد أن تفهم
وأشار إلي مغيظا، فقد خيل إليه أنني أنا الذي دبرت له كل هذا الهجوم. ولكنه رأى اقتناع الجالسين فارتاح إلى ذلك، والتفت إلي ساخرا
- وماذا تنتظر؟ قم إلى ورقك وقلمك. وسجل الحديث قبل أن يند منه حرف أو كلمة.
وهاأنذا أصدع بأمره. فما عودته إلا الطواعية والامتثال.