كل ذلك يكاد يعادل أهمية آبار الزيت السعودية من حيث اتصاله بتطورات القضية الفلسطينية وموقف الأمريكان - وهم سادة حلفاء الغرب - منها هذا الموقف الهدام الذي أمعن في التحدي والاستهتار. إن مناطق العمليات السياسية في الشرق الأوسط - وهو في تعريف الجغرافية الحربية يشمل شمالي أفريقيا - موزعة جغرافياً - على ما يبدو - بين الإنجليز والأمريكان بينما ترك لفرنسا مركز ثانوي.
فمجال بريطانيا قلب الشرق الأدنى، ومجال أمريكا جناحاه. ولبريطانيا أوتاد يبدو أنها متينة في الآونة الحاضرة على الأقل في شرق الأردن وبرقة والسودان، ولأمريكا أوتاد كذلك في نجد ومنطقة النفوذ الفرنسية في شمالي أفريقيا ومنها القسم الذي يطل على المحيط الأطلنطي مجاوراً لجبل طارق.
ولذلك فإن إمعان أمريكا في تحدي شعور العرب في قضاياهم القومية الحيوية لن يتأثر إلا إذا شعرت بتزعزع جدي لأوتادها في المملكة السعودية والمغرب العربي.
ذلك لأن سياسة أمريكا الخارجية مشوبة بطابع الارتجال والتقلب ومراعاة الظروف الطارئة بسبب كونها (أي أمريكا) الآن في حرب اقتصادية وسيكولوجية مع اكبر خطر يهدد حاضرها ومستقبلها وهو الشيوعية السوفيتية.
صحيح أن الأمريكان كرأسماليين أصليين شركاء للاستعمار الأوربي؛ وصحيح أن الكيان الاقتصادي للرأسمالية الأمريكية يتطلب توسعاً جغرافياً في أسواق الاستهلاك والمواد الخام؛ وصحيح أن السياسة الأمريكية في الداخل والخارج مشوشة تتأثر بمطامع الانتهازيين من الساسة المحترفين وعقليتهم المادية (البرجماتيزمية) وهي عقلية ترتكب الجرائم باسم الحريات الديمقراطية - كل هذه حقائق مسلم بها، ولكن الذي يجب إدراكه أن في الولايات المتحدة الأمريكية الآن اتجاهات عملية تضع البلاد على أسس المجهود الحربي، وقد وضعتها فعلاً في مجال الإنتاج والتدريب العسكري. هذا المجهود الحربي هو الذي يفرض على سياسة أمريكا في الخارج أن تتأثر بالاعتبارات المحلية (المعنوية والمادية) لمناطق نفوذها وعملياتها ضد الاتحاد السوفيتي. فمشروع مارشال مثلاً يتوخى عن طريق الإنعاش الاقتصادي، تقوية المناعة النفسية ضد مغريات الشيوعية المادية في أنظمة الحكم والعدالة الاجتماعية. والشرق الأوسط - بعد أوروبا الغربية - هو من أهم هذه المناطق في مجال