وإن الظروف الدولية وما تسميه الصحافة الغربية بالحرب الباردة تفرض على طبيعة التأرجح والتقلب في سياسة أمريكا - هذا التأرجح المستمد من طفولة أمريكا في العلاقات الدولية - تفرض ارتجالاً يجعلها سريعة التأثر بالترمومتر السياسي والنفسي لمناطق عملياتها كما ذكرت. ولذلك فإن جناحي الجامعة العربية في شرقي جزيرة العرب وفي المغرب الأقصى هما أمضى سلاح تستطيع الجامعة أن تشهره في وجه الأمريكان وهم أسياد المعسكر الغربي. والجامعة العربية كمنظمة إقليمية لها خطورتها في السياسة الدولية، وكهيئة تمثل رغبة العرب ومصلحتهم في التكاتف والتعاون ورعاية الاستقرار والرفاهية في الوطن العربي الأكبر تستطيع بل هي ملزمة أن تضع سياسة إيجابية عملية لجناحيها الخطيرين. وللجامعة كذلك مساعدات هائلة متوفرة في ذينك الجناحين، ففورة الشعور القومي، والتعلق بالعروبة، والتطلع إلى الوحدة العربية، متأججة في المغرب العربي؛ وقادته في القاهرة يرتمون في أحضان الجامعة ويلحون في طلب المعونة العملية. وإذا كان من الإنصاف أن نعترف بأن اشتغال الجامعة بمشكلة فلسطين وهي كبرى المشكلات يجعل المعونة العملية المطلوبة صعبة، فإن من المهم أن نعترف بأن الصراع في شمالي أفريقيا وزعزعة الأوتاد الأمريكية من شبه الجزيرة العربية هو جزء رئيسي من الصراع في فلسطين بل هم حيوي له.
والمشاكل القومية حين تكون متحدة الأهداف لا تتبع في معالجتها سياسة إنصاف الحلول، ولعل أضعف نقطة في مسلك الجامعة هو فقدان توزيع العمل في سياستها.
إن حركات التحرر في شمال أفريقيا إذا لم تستطع الآن أن تتخذ شكل حرب ضد الاستعمار فلا أقل من أن تتخذ شكل قلاقل جدية، على النحو الذي شغل به الأمير عبد الكريم الخطابي الفرنسيس والأسبان سنوات طوالاً. ولعل في إثارة هذه القلاقل الآن عواقب جسيمة الأخطار، ولكن الذي يبرر الدعوة لها هي وحدة الصراع العربي الشامل وتشابك القوى الغربية التي تتحد مصلحتها في تفرقته. وقد كان كاتب هذه الأسطر يراقب عن كثب خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة مسلك دول الجامعة العربية في هيئة الأمم المتحدة في قضايا فلسطين والسودان. وكانت هذه الدول تميل إلى الأخذ برأي أثبتت الأيام خطأه، وهو أن