والجواب على هذا التساؤل صعب. فإن تاريخ السوفيات في روسيا يشير إلى سرعة التقلب في سياسة روسيا الخارجية عندما تتطلب منها الظروف ذلك. وخير مثل على ذلك اتفاق روسيا وألمانيا النازية في مطلع الحرب العالمية الثانية بالرغم مما في المذهبين (الشيوعي والنازي) من التناقض والمعاداة والتنافس. ومن أبرز الأمثلة على التقلب موقف الشيوعية السوفيتية من الصهيونية التي وصفها ستالين في كتاب (الماركسية ومشاكل الأقليات والاستعمار) الذي صدر سنة ١٩٢٠ بأنها (حركة رجعية انتهازية، وأنها وليدة الاستعمار الغربي). وقد كانت الصهيونية محرمة في روسيا ومضطهدة إلى ما قبل بضع سنوات (عام ١٩٤٣)، وكانت تحارب في السر والعلانية. قارن هذا الموقف الروسي بحاضر العلاقات بين موسكو ويهود فلسطين والتحالف السوفيتي الصهيوني تر عنصر هذا التقليد الانتهازي في سياسة السوفيات الخارجية. وهو في الواقع تقلب لا تخلو الدبلوماسية الدولية إجمالاً منه وإن كان يبدو عادياً في سلك السوفيات.
فقد تكون إذن حملة السلام الروسية الجديدة خطوة انتهازية جديدة يتطلبها الموقف الدولي، دفع إليها حمل الشعوب في المعسكر الغربي على الحد من برامج التسلح الهائلة التي تندفع الآن دول الحلف الغربي في تنفيذها. والضرب على وتر السلام الحساس في البلدان الديمقراطية خصوصاً في الولايات المتحدة يجد صداه في مجتمع يشكو من ارتفاع الضرائب التي تتطلبها هذه الالتزامات الضخمة التي تفرضها مشاريع مارشال وشريعة ترومان والبرنامج الجديد لتوسيع هذا النوع من الحرب الاقتصادية في بلدان الشرق والقارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية.
هذا بالإضافة إلى أن حدة الموقف الدولي تفرض تعاوناً وثيقاً بين بريطانيا وأمريكا، فإذا خفت هذه الحدة وشاعت الرغبة في السلام التي تذكيها حملات ماهرة كحملات الشيوعية الدولية فإن هذا التعاون الإنجلوسكسوني سيفتر بينما تمضي روسيا قدماً في برامجها المنظمة التي تتقيد - في ظل الاقتصاد الماركسي الموجه - بتحالف ثنائي في مجال الاقتصاد والاستعداد العسكري في القارة الروسية على الأقل.
فمن خبراء الشؤون الروسية إذن من يقول بأن هذه الخطوة الروسية السليمة ليست إلا