النهضة الأوربية التي استغاثت بكفايات الفكر الغربي القديم، الذي يتمثل في الفكر اليوناني، فقامت النهضة الحديثة على أساس بعث ثقافة اليونان، واستغلال مقوماتها في خلق حضارة جديدة. وفي هذا الجو الثقافي نجح الفكر الغربي في أن ينفض عن نفسه ذلك الخمول الذي نشره طغيان الأفكار المسيحية على الروح الغربية، ووفق في وضع علوم مبتكرة، واختراع صناعات متنوعة وآلات كثيرة.
فلم لا يحاكي العربي الغربيين في هذا العمل، ويكف عن تقليدهم في عاداتهم وأخلاقهم، ويكتفي بما أخذه منهم من ثقافات ويكشف عن مزايا العقلية العربية عن طريق دراسة مخلفات الأفذاذ من العرب أمثال عبد القاهر الجرجاني وابن خلدون وغيرهما دراسة تحليلية، يحاول أن يستشف منها ميول الفكر العربي الأساسية، ثم يسعى في أن يبث هذه الميول في عقول صغارنا، حتى يأتي ذلك اليوم الذي ترى أثرها ظاهراً في كل ناحية من نواحي الحياة العربية.
ننتهي من هذه المقالة والتي قبلها إلى أن تحقيق نهضتنا الحديثة يعوزه تعاون رجال الدين ورجال الفكر في جميع البلدان العربية على خلق وسط حضاري تنبسط فيه العقلية العربية، وتنساب حسب سجيتها، لا يعوقها أي مؤثر خارجي ولا يفسدها أي عيب داخلي، ولذلك يجب أن يساهم كل من هاتين الفئتين من الرجال في تنقية الأخلاق العربية، وتوجيهها أثناء هذه التنقية توجيهاً اجتماعياً صالحاً يتفق مع التعاليم الإسلامية، ويعود على الوطن العربي بالخير، ويكسب العرب شخصية قوية ذات لون خاص يميزها عن غيرها من الشعوب. ويمكن أن يستغلوها في مواجهة المشاكل القومية أو الدولية كما يجب أن يشتركا في التنقيب عن خواص العقلية العربية، حتى يمكن لرجال التربية من وضع الطرق التربوية الصحيحة التي تتسق مع العقلية العربية وتنميها إلى أقصى حد يمكن أن تبلغه من الكمال، ثم استغلالها في خلق ثقافة عربية جديدة، تتصل بالحضارات العربية السابقة وتعبر عن حياة العرب الوجدانية والعقلية في صور تنسجم مع روح المدنية الحديثة.
عبد العزيز محمد الزكي
مدرس الآداب بمدرسة صلاح الدين الأميرية بكفر الزيات