الموصد، ثم تدفعك إلى الهدف في سهولة ويسر، وأنت من ورائها تندفع حتى تبلغ) أما هي فكانت تجلس إلى أمها العجوز بين الحين والحين وتستمع إلى حديثها بين الفينة والفينة، وإن العجوز لتعرض إليها بأمر وتغريها برأي وهي من ورائها تندفع. ووجدت الفتاة في رفاقك لذة صرفتها عنها، ولمست فيهم متعة شغلتها عن الدار
وعشت حيناً مع زوجك الأجنبية. وهي ألمانية اللسان يهودية النزعة شيطانية المشرب لا تجد غضاضة في ما تفعل ولا تحس أذى في ما تذر. ولكن دمك الشرقي ما تلبث أن ثار وهدر؛ وإن للشرقي لكرامة يعز عليه أن تنهار، وإن له لشرفاً يضن به عن أن يمتهن، وإنه ليبذل روحه ودمه دون أن يخدش. فأنت حين تغاضيت عن مثالب زوجك كنت قد نزلت عن شرقيتك وانصرفت عن مصريتك لتعيش زماناً في جو القبعة وترتدغ في مبادئها، ولكن دمك الشرقي ما تلبث أن ثار وهدر فعزمت على شيء. وأني لك ما تريد وإن زوجك - ومن ورائها أمها - لذات حيلة ودهاء، فهي تترضاك حيناً وتتوسل برؤسائك حيناً، حتى إذا ضاقت بجهلك وعجزت عن ترويضك راحت تتهددك بأن تفصلك عن عملك إن وسوست لك نفسك أن تنالها بأذى، وإنها لقادرة على أن تفعل.
وجاءك - ذات يوم - رجل من بني جلدتها ذو جاه ومكانة يحذرك غب طيشك بقوله:(حذار أن تحدثك حماقتك فتطلق زوجك، وإذن لا تلبث إلا قليلا حتى تطلقك الوظيفة ثم لا تجد بعدها ملجأ ولا ملاذاً إلا الشارع) وصمت لسانك حين شعرت بأن غلاً ثقيلاً يشد على عنقك فلا تستطيع أن تفلت منه، وحين خشيت أن تصبح صعلوكاً تتقاذفك مضلات الحياة وتصفعك متاهات الحاجة، فألقيت السلم وكبتَّ في نفسك نوازع ونوازع لتكون في الدار حمَلاً وديعاً تتلقى الأمر من زوجك الأجنبية الفاجرة فلا تجد مصرفاً عن الطاعة، ولتكون خارج الدار ثوراً هائجاً تفرغ هم نفسك في موظف صغير لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، وتنفس عن غرائزك المكفوفة في خادم عاجز لا يملك أن يتقي شرك
ليتك، يا صاحبي، تعلمت من فلسفتك أن صلات الأسرة تزداد قوة ومتانة حين توثقها روابط الوطن والدين واللغة، فهي تلم شعتها وتجمع ما تبعثر منها وتبذر فيها غرس الألفة والحنان وتنفث روح العطف والمحبة! ليتك يا صاحبي، ليتك. . .!