تخصيص وقت دون وقت، ومقدار دون مقدار. والباري تعالى عالم بالغيب مطلع على سرائره وأحكامه فكان علمه بها على المقدرة عليها كافيا عن الإرادة والقصد إلى التخصيص، وأنه لما علم أنه كل حادث يوقت وشكل وقدرة فلا يكون إلا ما علم، فأي حاجة له إلى القصد والإرادة؟ وننتهي من هذا كله إلى أن إرادة الله هي علمه اعني ذاته.
إرادة الله وخلق العالم:
تقول المعتزلة إن خلق العالم متعلق بإرادة الله، وهذه الإرادة هي من صفات الأعمال. لكن بعض معتزلة فرع البصرة مثل بشر ابن المعتمر ومعمر كانوا يقولون أن هذه الصفة حادثة لأن موضوعها - وهو العالم المخلوق - حادث. بينما البعض الأخر كان يقول أن هذه الصفة أزلية.
حيث أنها تتعلق بماهية الله وهي أزلية - ولكن جميع المعتزلة متفقون على أن هذه الإرادة - أزلية كانت أم حادثة - سابقة على خلق العالم. فعليه يكون العالم أما أزليا وأما حادثا -
لنتعقب أقوال المعتزلة في هذا الموضوع الدقيق. يقول أبو الهذيل إن خلق الشيء الذي هو تكوينه بعد أن لم يكن هو غيره وهو أرادته تعالى له وقوله: كن - والخلق مع المخلوق في حاله وليس بجائز أن يخلق الله شيئا لا يريد ولا يقول له: كن. ويضيف أبو الهذيل على ذلك قائلا بأن خلق العرض وخلق الجوهر هو غيرهما. ويقول أخيرا أن الخلق الذي هو إرادة وقول لا في مكان من هذا القول يتضح أن الخلق هو بداية الوجود الذي يمنحه الله لشيء كان غير موجود. ثم أن هذا الخلق يتميز تماما مع الشيء الذي كان في حالة العدم قبل خلقه - فيكون الخلق متعلقا بإرادة الله التي تتحقق في وقت ما ويصبح هذا الوقت بداية الوجود - من الضروري أن نبين أن أبا الهذيل كان يؤكد الفرق الموجود بين إرادة الله لخلق الشيء وبين هذا الشيء المخلوق الذي هو موضوع الإرادة. إن هذه الإرادة في زعمه (وهي منبع الخليفة) لا توجد في محل. وسبب ذلك أن الله لا يشغل محلا لأن غير مادي، فعليه لا يمكن أن تكون أرادته في مكان لأن المادة فقط تشغل حيزا. ولكن موضوع هذه الإرادة مادي وهو الخليقة. فهي تشغل مكانا معينا. ومن هنا قامت المشكلة العويصة المتعلقة بطبيعة العالم المخلوق وطبعه لله: إنهما لطبيعتان مختلفتان كل الاختلاف ومتميزتان تمام التمييز: الواحدة منهما وهي الطبيعة الإلهية تمنح الوجود فقط للأخرى التي