يقول المسيحيون أو نوع من النجاة كما يقول المسلمون. وتبين هذا العوز في محاولاتهم المتكررة لإيجاد ناموس أخلاقي يعين على رفع الظلمة ويساعد في كشف الغمة، وظهر عملهم واضحاً في جملة التأليف الفكرية التي اتخذت موقفاً وضعياً قبل كل شيء.
ونحن المصريين محتاجون إلى غير قليل من هذا ألاتجاه. فأخلاقنا تنبني في أصلها النظري على الأديان السماوية حتى اليوم، وانشغل الكثيرون عن الدين إلى أشياء أخرى وتطورت الحياة تطوراً ملموساً فضاعت الأخلاق النظرية والعملية معاً. إذ أن الرجل المتدين يأتي كثيراً من السخافات اعتماداً على رضى الله وتوفيقه على تأييده له على طول الخط. وأستطيع أن أقول على شكل ملاحظة بسيطة أن معظم الأفعال البعيدة عن الجد والوقار والخارجة عن نطاق الفضيلة الصحيحة إنما يأتيها قوم متدينون غاية التدين ومؤمنون غاية الإيمان، أما غير المتدين فقد أهمل القواعد الروحية ولم يستطع أن يجد سنداً في حياته العملية فصار على نحو من الضيعة والاختلال لا تؤهلانه لمعيشة طبيعية كريمة. فلابد لنا من محاولة تماشي ظروف المجتمع ومن أخلاق جديدة تساير ركب الزمن وتجعلنا نواجه المناسبات المختلفة في غير خوف ولا تردد ولا جبن بازاء الأحداث.
وقد يخطر على بالنا أن نسأل الآن عن هذه الرابطة التي تجعلنا نفكر في الحرية وفي الأخلاق معا، فلا يكاد واحد من الباحثين يتعرض لموضوع من موضوعات الأخلاق بغير أن يتعرض لفكرة الحرية بالدراسات والتحليل، وهذا الاقتران في أذهان العلماء والفلاسفة غريب إذا نظرنا إلى الأخلاق نظرة اجتماعية خالصة أو إذا جعلنا رضوان الناس وآراء الجماعات مقياساً للأفعال العادية، أو إذا اعتبرنا الأخلاق حسب مقدرة الأفراد على الانسجام والتأدب والرضوخ؛ ولكنه معقول غاية المعقولية إذا بحثنا في الأخلاق من زاوية خاصة هي التي تحاول أن تحتفظ للفردية بقوتها عن معارضتها للحياة اليومية وعند تنافرها مع الآخرين، فالحرية تدخل ضمن أبحاث الفلاسفة الأخلاقيين عندما تراعى أن الأخلاق لا تكون في إخماد الروح الفردية بقدر ما تكون في عهدها ورعايتها وتهيئتها كما يلزم بالنسبة إلى الظروف المتباينة.
فالأخلاق على هذا النحو إنكار للأخلاق؛ بمعنى أنها تعمل على هدم القانون ورفع الضرورة التي تأتي بها نظريات الباحثين. الأخلاق التي تأخذ بالحرية على الطريقة التي