الذي طهر البنغال وكوجرات من البوذية، فكانت هذه الحركة الجهادية إرهاصاً بقيام دولة إسلامية في الهند عاصمتها دلهي، ظل الزمان يحالفها من القرن العاشر إلى أوائل القرن التاسع عشر. حيث أخذت الضربات الإنجليزية تتوالى على هذا الصرح العتيق، الذي لم يكن بد من أن يتصدع بعد أن صمد طويلاً أمام الطغيان، وشهد الدهر كم كانت همة الأفغان مرادفة للجبال الرواسي التي - على الرغم من ثلوج عمائمها - أوقدت نار الحمية في نفوس أبطالها.
فإذا كان القرن التاسع عشر، بعث نابليون بونابرت الجنرال غاردان لمفاوضة إيران للدخول في محالفة مع فرنسا لفتح الهند، فأسرعت إنجلترا إلى الأفغان لتتخذ منها درعاً ضد إيران، ولما قامت الثورة الأفغانية التجأ أخو الصدر الأعظم إلى الإنجليز يستعديهم على أخيه دوست محمد خان وهو إذ ذاك حليف لروسيا.
اهتبلت إنجلترا هذه الفرصة وجردت حملتها على الأفغان سنة ١٨٣٩م، وبعد عامين، زاد فيهما حنق الأفغانيين الأحرار على الغاصبين الإنجليز، قتل المعتمد البريطاني في كابل؛ ومعه عدد من ضباط الاحتلال. ولم يزل الأفغانيين يناصبون الإنجليز العداء حتى نصبوا الكمين لهم في (خورد كابل) فاستأصلوا حوالي سبعة عشر ألفاً من الإنجليز الذين استعانوا بحمايتهم في الهند على نسف قلاع العاصمة، وبذلك ثأروا لأنفسهم.
أما وقد شمخ الأفغانيون بأنوفهم للأحداث، وعافوا الاستبداد ولم يستنيموا للضيم فأن الإنجليز رأوا أنفسهم مضطرين لتغيير نظرتهم إزاء الأفغان الحر الأبي، وحاولوا أن يبثوا عقارب السوء فذهبت محاولاتهم أدراج الرياح، وأوقعوا خلال الصفوف يبغون الفتنة، فارتدت سهامهم إلى نحورهم. ولكن الأفغانيين وقفوا صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص إذ تضافر الشعب والسلطان. وكان الدورانيون - وهو الأسرة المالكة ويبلغون ثلث الأفغان - أشد اعتزازاً بالوحدة أمام الدسائس الإنجليزية من جهة، والأسلحة الفتاكة التي يتذرع بها الدخيل البارد من جهة أخرى.
حقاً لقد كان الشعب الأفغاني أعزل من كل سلاح إلا التضامن والإيمان بالحق، والجهاد حتى يتحرر الوطن من الطغاة المعتدين.
ولما مات (دوست محمد خان) سنة ١٨٦٣ دب الشقاق بين أولاده، وظن الإنجليز أنها ثغرة