الشبان غير أبن عمها (فريد). لقد كان فيما ترى مثال الشاب الذي يداعب خيالها. لم يكن قد أتم دراسته العالية بعد، ولكنه أتم الرجولة؛ وكان على فقر من المال، ولكنه على غنى في النفس، وكمالٍ من الأدب والفضيلة. وكم كانت تعجب برجولته ونبله! ولكنها لم تكن تسمح لنفسها أن تمنحه أكثر من الإعجاب. آه لو كان على سعة من المال. . . لتمنت أن يكون زوجها الذي تقاسمه الحياة. . . من أين له أن يهيئ لها أسباب الرفاهية التي تشتهي. . .؟
لم تكن تدري أنها تحبه إلا يوم جاءها البشير أنه خطب لنفسه فلانة، فأغلقت من دونها الباب وجلست وحدها تبكي ما ساعفتها الدموع. ولم يكن يدري أنه يحبها إلا يوم زارها من بعد، فإذا في عينيها تساؤل وجواب، وعلى شفتيها ابتسامة ذابلة، ثم إذا هي تفر فتضرب الحجاب بينها وبينه، خشية أن يرى على وجنتيها علامة التأثر ترسمها الدموع. . .!
ولكم تمناها لنفسه وبات يرعى خيالها ليالي طويلة، ولكنه كان يزجر نفسه أن تؤمل الزواج من إحسان؛ وأين فقره وإقلاله من غنى إحسان. . .!
ومسحت الدموع عن وجنتيها، وقالت تعزي نفسها:(لقد تزوج فريد، فما أسفي على زواجه؟ إنني لجميلة، وإنني لغنية، وإن الشبان ليسرعون إلى ذوات الجمال والمال) وطافت برأسها أحلام، وزينت لها دنيا بهيجة من الخيال أفعمتها أنسا وسعادة؛ واستنامت إلى المنى، تصبح وتمسي حالمة بالخاطب المجهول
وتصرمت الأعوام عاماً بعد عام، وإحسان تعيش من أحلامها في رضا وقناعة؛ وحسبها من مسرات الشباب أنها توقظ كل يوم واحداً من شباب أحلامها تساقيه المنى وتبادله الحب، فإذا انتبهت من أحلامها السعيدة فإلى حين، كأنما هي من حبيبها على ميعاد
وأخذت زهرات الربيع تنتثر أوراقها داميةً على الشوك، لأن البستاني يحول أن تمتد إليها اليد التي تشعر أنها جميلة؛ ولكن بقيت على ثغر الزهر ابتسامته الناعمة، لأنه من أحلامه على رضا وقناعة
لشد ما كان يعجب شباب الناحية بإحسان! فما يحلو لهم سمر إلا الحديث عن جمالها وفتنتها، وما يطيب لهم مجلس إلا بذكر كمالها وشمائلها؛ ولكنها على ما حلت من نفوسهم أكرم منزلة - لم تبلغ أن تكون موضع الأمل عند واحد منهم أن تصير زوجته. لقد تقاصرت دونها المنى؛ من إبائها، وغناها، وحرص أهلها على التقاليد