للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن أين لغير القليل من الشبان أن يرضى مطامع إحسان؛ من أين له (المعجزة المالية) ليؤدي لها المهر الذي ترضاه، وينفق في أكلاف العرس ما يرضي التقاليد؟

وطالت الأيام على العذراء الحالمة، وبدأت تمل وحدتها الفارغة، وأخذت تسئ الظن بجمالها وفتنتها. ولم تجد غير المرآة تبثها خواطرها، فتعودت الجلوس إليها الساعات كل يوم، تبادلها الرأي فيما تظهر به جميلة جذابة؛ لعلها أن تجد بالجمال المصنوع رجلها الذي تحلم به. . .

أفتستطيع المرآة أن تمنحها الزوج إن منحتها الجمال؟. .! واستيقظت من أحلامها حين توالت عليها الأنباء بأن صواحبها اللاتي كانت تسخر منهن وتزهى عليهن بمالها وجمالها - قد تزوجن واحدة بعد أخرى، واستقرت بهن الحياة في بيت الأمومة

وهذه صديقة أخرى تتزوج. لقد طالما هزئت إحسان من (خديجة) جارتها وزميلتها في المدرسة؛ وما أكثر ما كانت تركبها بالدعابة الثقيلة والنكات اللاذعة حتى تطفر من عينها دموع الذلة والانكسار! لم تكن خديجة في مثل جمال إحسان، ولا لها قليل من جاه أبيها أو ماله؛ ولكن، هاهي ذي تتزوج وتعزف لها الموسيقى، وإحسان ما تزال تنتظر. . .!

وانقطعت سبيبة الذكرى، فأفاقت إحسان من غفلتها، وراحت تمسح الدموع عن وجنتيها بأطراف السجف وتنظر الطريق وأخذ عينيها بريق الكرات الملونة مدلاة من حبالها، يتلاعب بها الهواء تلاعب اليأس والهم بنفسها؛ واضطربت في مرأى عينيها الرايات الخضر، اضطراب أوراق الشجر هبت عليها رياح الخريف. . .!

لقد كانت وحدها في البيت، فلم ترافق أمها إلى بيت خديجة لتزف إليها التهنئة. منذ أمس، حين زارتها صديقتها داعية، وهي لا تستقر على حال من لذع الغيرة وألم الحرمان! وقدرت - إن هي أجابت الدعوى - أنها ستكون بين المدعوات موضع السخرية والإشفاق؛ وما تحب أن يسخر منها أو يشفق عليها أحد. . .!

ومر من تحت النافذة فوج من الشباب يقصدون بيت العروس، وراحت إحسان تختبر فراستها، لعلها أن تعرف زوج صديقتها من بين هؤلاء. أفكانت تريد ذلك حقاً؛ أم هي تريد أن تعرف من بينهم رجل أحلامها الذي صحبته في الوهم سنوات. .؟

وزفرت زفرة خافتة، وراحت تحصي سنيها التي عمرتها على الأرض. يا ويلتا! اثنتان

<<  <  ج:
ص:  >  >>