وعشرون سنة. . .! لقد تزوجت أمها في الثالثة عشرة، فلعل إحسان لو تزوجت في مثل سن أمها - كانت موشكة أن تصير جدة. . .! وركبها اليأس، واصطلحت عليها الأفكار السود، ولم تجد لنفسها طاقة بالوحدة بعد؛ فأزينت وأسرعت إلى بيت العروس تتفرج. . .
وهاجت أحزانها مظاهر الفرح، وبهرتها الأنوار البراقة، ولدغتها ثعابين الغيرة من عناقيد الزهر متعانقة متشابكة، ورنت في أذنيها ضحكات النساء كأن قلباً من الزجاج ينكسر. وانتظم النساء حلقات - على عادتهن - يتهامسن عابثات ضاحكات؛ فوقع في نفسها أنهن يتهامسن في شأنها، فانطوت على نفسها في زاوية من البهو تحاول إلا تتحدث إلى أحد، أو يتحدث إليها أحد. وخيل إليها أن التمنيات التي توجهها إليها صواحبها - سخرية وشماتة. . .
(العقبى لك.) ما أحراهن أن يترجمنها إلى اللغة الصريحة فيقلن: (الرحمة والرثاء لك أيتها العانس المسكينة. . .!) وأديرت - على برد الخريف - أكواب الشراب المثلوج، ووزعت الحلوى في العلب المذهبة الثمينة، وتزاحم النساء يتخاطفونها كأنما يقتضين الأجر على ما شرفن العروس بالحضور للتهنئة. . .! ورأت إحسان أنها لم تتفرج مما بها ولكنها زادت هما على هم، فأسرعت عائدة إلى الدار
ولم تنم المسكينة ليلتها، ولكن أخذتها إغفاءات متقطعة تتخللها الرؤى والأحلام. وعاد تفكيرها في الزواج بعض عملها اليومي، ولكنها لم تعد تفكر في الرجل - إذ تفكر في الزواج - أكثر مما تفكر مظاهر الاحتفال، وزينة العرس؛ وفيمن تدعو ليشاركها الفرح من نساء المدينة وشبان المدينة؛ كانت تفكر في الانتقام لكبريائها التي زعمتها ديست يوم عرس خديجة. سيكون احتفالاً خيراً من احتفالها، وسيزين البيت أروع مما أزين بيتها، وسيجتمع لها من سراة المدينة ووجهائها من لم يجتمع لعروس قبلها. ستحاول يومئذ أن تسعر الغيرة والحسد في قلوب كل صواحبها، أكثر مما كانت تسعرهما بكبريائها وتيهها عليهن وهي ما تزال صغيرة تطلب العلم معهن في المدرسة، أو تشاركهن اللعب في فناء الدار. . .!
كان العام قد استدار، وأخذت زهرات الربيع تتفتح ويضوع أريجها في الجو، ولكن قطرات من الندى كانت تبللها كدمعة الحزن في وجه عذراء مستحيية. . . ولكنها تبتسم؛ أكانت تصطنع الابتسام لتخفي عن الناظر بعض ما في صدرها من هم، أم كانت هذه دموع الفرح