للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على وجنتيها. . .؟

وأطل الفتيات من النوافذ يتعرفن خطيب إحسان خارجاً من دارها في جماعة من أهله؛ ورأين بضعة من الرجال عليهم سيماء السراة من أهل الريف، في جلابيبهم الفضفاضة ومعاطفهم السود، يلوون ألسنتهم بالحديث في لهجة جديدة على أهل الحضر. وبينهم (أفندي) واحد يبدو من مظهره، ونظام لباسه أنه وإن عاش في المدينة طويلاً - ما يزال بعض أهله

وقالت فتاة لأختها: - (أهو هذا؟)

- (بل هو ذاك)

ولم يكن هذا ولا ذاك؛ ولكنه خرج بعد انفضاض الجمع، يتوكأ على نفسه من ثقل وبدانة حشو ثيابه الغالية، يلوك بين شدقيه لساناً يتفقد بقايا الطعام بين أضراسه، ولم يخف ميل طربوشه أثر الوشم في صدغه

وقالت فتاة:

- (إنه لهو؟)

فأجابتها صاحبتها بابتسامة

وبرق الماس في إصبعه، ورف الذهب من سلسلة ساعته، فقالت الفتاة:

(إنه لغني. . .!)

وكان الحفل الحاشد بعد أيام، فاجتمع فيه من مظاهر البذخ والغنى ما لم يتهيأ لسكان الحي أن يشهدوا مثله منذ أعوام؛ فأقيمت المقاصف، ووزعت الهدايا، ودقت الطبول، وعزفت الموسيقى، وتجاوبت ألحان المغنين والمغنيات بين فناء البيت وأعلاه، وتناثرت نجوم الكهرباء تنقل إلى الأرض بعض معاني السماء، وعبق أريج الزهر يحمل إلى أهل الحياة أنفاس أهل الجنة. . . وإحسان في مجلسها راضية ناعمة، تشرف من علٍ على الحفل وزينته فخوراً مزهوةً

لقد كانت فرحة الزواج عندها أن تشهد لنفسها مثل هذا الحفل، وقد شهدته على أكمل ما أبدعته في خيالها؛ وبلغت مأملها في الظهور على صواحبها بما يتقاصرون عنه من بذخ وإسراف. أما الزوج، أما الرجل الذي سترتبط إليه ويرتبط إليها فلا فكاك مدى الحياة، أما

<<  <  ج:
ص:  >  >>