للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فكان الجواب أن هنالك تواكلاً بين العقيدة والاختبار الديني المعبر عنها. فهما عنصران يكونان حلقة واحدة؛ فالتساؤل عن إيضاحها كالتساؤل المنطقي القديم (من يأتي أولاً؟ الدجاجة أم البيضة)؟

وحاول مفكر ألماني شهير أن يضع لهذا التساؤل حداً يرد به على الدنيويون فقال: إن الاختبار الديني هو في الواقع مزيج من الإدراك العقلي والشعور النفساني (السيكولوجي) وليس المهم أن نحدد أيهما يسبق الآخر، وإنما المهم أن نقرر بأن الاختبار الديني سلوك يدور في نطاق هاتين الحقيقتين.

وأخذ كاتب ألماني آخر هذا الجواب وبنى عليه بحثاً جعله في ثلاثة أبواب: -

(١) العقيدة والاختبار الديني.

(٢) الطقوس والاختبار الديني.

(٣) النتائج الاجتماعية للاختبار الديني.

وسنعتمد إلى حد بعيد على هذا التقسيم في هذا الفصل من دراستنا.

العقيدة

يقول (لاوي بروهل) في دراسته الشهيرة إن الأسطورة أو الخرافة التي تتعلق بها المجتمعات البدائية تتطور فتصبح عقيدة عند المجتمعات المتحضرة. وللأساطير لغتها المنطقية الخاصة. والأساطير التي تتعلق بالآلهة عند المجتمعات البدائية تتفرع وتتشعب ولكنها تتحد في الجوهر. وحين يأخذ المجتمع البدائي بأسباب الحضارة تتقلص أنواع أساطيره ويندثر بعضها لتفسح الطريق أمام ملحمة محبوكة الأجزاء. ويلعب التطور الفكري والنمو العقلي دوره الكبير في خلق هذه الملحمة مطهرة من الأدران والسخافات التي لا يدرك الفكر البدائي سذاجتها. ويصاحب هذا النمو العقلي عادة ترتكز السلطة الروحية التي تعبر عنها هذه الملحمة في يد الكهنة وخدام الآلهة والهياكل المقدسة وفي هذه المركزية تصاغ الرموز والتعبيرات الدينية وتصبح هذه الرموز (التي كانت فيما قبل شفهية تتناقل بالرواية) سجلاً للجماعة التي تؤمن بها وتمتثل لتعاليمها. ويقوم الكهنة جيلاً بعد جيل بشرح هذا السجل وإحاطته بهالة من المنطق والرشاد، ومن ثم ينشأ علم اللاهوت ونظام الكهنوت.

ويبقى هذا التراث المسجل وقفاً على الكهنة وأعوانهم بينما يكتفي الأتباع بمعرفة الخطوط

<<  <  ج:
ص:  >  >>