والعقيدة التي تنشأ على هذا المنوال لا تتحمل تفنيداً ولا تتعرض للنمو الصحي؛ وإنما تظل منطوية على كثير من الهراء والسفسطة والزيغ الذي لا يقبله العقل السليم.
وعلى مبلغ صدق العقيدة وصحة ألوهيتها تتوقف سماحة الدين. فالعقيدة التي تظل محصورة في يد الكهنوت تعجز عن ممشاة التقدم الفكري والرقي العقلي للفرد وللجماعة.
أما العقيدة الإلهية الصادقة التي لم تنشأ عن الأساطير والخرافات وإنما نشأت عن وحي من الإله العلي العظيم ورسله المختارين فلا يجد الجدل إلى جوهرها سبيلاً. فهي ليست وقفاً على طائفة من الكهنة ولا هي نظام إداري تنحصر وراثته في نفر معين من الأتباع؛ وإنما هي مشاع بين الناس وتراثها المسجل في متناول الجميع.
والإسلام عقيدة أوحى بها الله إلى نبيه المختار ورسوله المصطفى؛ والرسول الكريم لم يكن كاهناً يحتكر المعرفة الدينية وأنما كان مبشراً ونذيراً ويدعو الناس إلى اتباع هذه المثل العليا التي نزل بها الوحي عليه، ويضع القرآن الكريم في يد كل من يستطيع قراءته ومن لا يستطيع. ولقد يجوز لنا أن نقول كذلك إن نظام الصلاة في الإسلام كما أوحاه الله تعالى إلى رسوله الكريم قد عني به بالإضافة إلى الطهارة الروحية والجسمانية، وحق الخالق على المخلوق بالإضافة غلى هذه الحقائق المجيدة أن يستمع الناس إلى كلمة الله صافية خالية من التأويل والتفسير. وكأن الباري عز وجل لم يكتف بتجريد الإسلام عن الكهنوت، بل أوصى جل جلاله في طريقة عملية ألا تكون هناك صلات بين العبد وبارئه غير صلات الروح والفكر المستمدة من الإقناع الشخصي.
والسنة الإسلامية الموروثة أن يلقن القرآن الكريم للأحداث في سن مبكرة، فينشئوا ولا غموض يكتنف عقيدتهم، ولا هالة تحيط بطقوس دينهم، ولا وساطة بينهم وبين العلي العظيم.
والتخصص في دراسة الدين الإسلامي في معاهد العلم لا يفترض مركزية روحية ولا ينطوي على احتكار لعلوم الدين. وما يقوم به رجال الدين في الإسلام يكاد ينحصر في تذكير العباد بكلمة الله كما نزلت في القرآن الكريم وكما عززتها الأحاديث النبوية واجتهاد الأئمة الصالحين.