باللائمة أن صرف وجه عن هذا المعنى القاموسي، فهو لذلك مخطئ، وخطؤه غير مغتفر، لأنه عالم باللغة، عالم بالدين، لاشك أن الأستاذ الصعيدي لم يدفعه إلى لومه هذا إلا حبه للأزهر وحرصه على سمعته وسمعة علمائه، خشية أن يتمسك الناس بأخطائهم وهم الذين تفترض فيهم الإمامة.
ومع ذلك فالمؤلف غير مخطئ، وعنوان كتيبه، عنوان الصواب. هو لم يشأ أن ينطلق إلى كتب اللغة يستوحيها معنى كلمته، لأنه يعلم أن هذا هو مدخل البلاء على الأزهر. .! فعلماؤه ينفصلون تماما عن الحياة حولهم وما يعتريها من تطور وتغير، ويؤثرون أن يعيشوا في أجوائهم الخاصة.
ولكنه طفق يبحث عن معناها بين الشفاه التي قددها الجوع، والحلاقيم التي جففها الظمأ،
والضلوع التي أيبستها وطوحت بها أعاصير الداء، لا مقادير الفضاء. .!
طفق يبحث عن معناها بين هذه المواكب الحافلة بالبؤس والمذلة والشقاء، والتي أطلق عليها سلفا وجهلا أنها رعية ترعى وشعب يساس.
أليس في الأولين يختصون بنصيب من حسن التدبير وحسن الإشراف، وجميل العناية، وأن الآخرين أقل من أن يقبل عليهم برعاية، وأدنى من أن ينظر إليهم بإمعان. .؟
فأين هذا التدبير الحسن، وتلك العناية الجميلة. .؟
أهما في أن تجوع وتعرى أجساد وأكباد، وأن تلهو وترتع أفراد وآحاد. .؟
أهما في أن تقتات الملايين شر القوت، وتسام جدب المرعى، وأن تكتظ معد العشرات بدمائهم وعروقهم ودموعهم. .؟
أهما في تلك الجحافل الساعية ليل نهار تسأل وتستجدي. .؟
أين يا سيدي اللقم السائغة للمنكوب والمنكود. .؟
أين الكسوة السابغة للمعروق والمكدود. .؟
أين الجرعة الصافية للمتعوس والمطرود. .؟
إن الرعايا في مصر هم العبيد، والعبيد في مصر هم الرعايا، وأنف كل قاموس راغم. .!
أحمد قاسم أحمد
بيني وبين قرائي