أما أولهما: وسنقتصر الكلام عنها الآن: فهي مرحلة الطفولة المبكرة ويعلق فرويد عميد علماء التحليل النفسي، و (آدلر) مؤسس مدرسة علم النفس الفردي أهمية كبرى على هذه المرحلة، ففيها تتكون أهم قوالب السلوك عند الإنسان وهي التي تحدد الخطوط الشخصية الأساسية فيما بعد، ولقد دلت البحوث النفسية على أن كثيراً من الانحرافات النفسية الحقيقية والخطورة التي يصاب بها الشاب أو الرجل، ترجع إلى صدوع نفسية في الطفولة الأولى، وفي هذه المرحلة يأخذ الطفل فكرة عن نفسه، مما نوحي به إليه نحن. فالطفل الذي ننعته بأنه شقي وبأنه مجرم، وبأنه لا يفلح سرعان ما يتشرب هذه الفكرة عن نفسه ويعمل على أن يسير بمقتضاها، وعلى العكس إذا أخذنا نصف الطفل بأنه مهذب، وبأنه شجاع فإنه يتقبل عن نفسه هذه الفكرة ويتشبع بها، ويجهد نفسه في تنفيذها، وفي هذه المرحلة يتكون لدى الطفل سلطة داخلية هي ما نسميها بالضمير أو الرقيب أو النفس اللوامة، أو الحافظ، كما يقول الله تعالى (إن كل نفس لما عليها حافظ) هذا الضمير أو الرقيب إن هو إلا خليفة الأبوين ويتكون لا شعورياً عن طريق الأوامر أو النواهي التي تصدر منهما إليه، فإن كان الأب من الصنف الصارم الجافي الذي يحاسب على اللفتة والحركة ويعاقب على السهوة، ويسرف في الأمر والنهي، والصفع واللكز، ويفرط في التأنيب واللوم، فإن هذه التربية كما يقول الدكتور عزت راجح في كتابه (الأمراض النفسية). . تصبح لها صدى في ضمير الطفل اللاشعوري يمثل السلطة الأبوية، فترى قد أصبح يتطلب من الطفل ما يتطلب ذلك من الأب التعسف وأكثر، يحاسبه على كل صغيرة وكبيرة، ويحرم عليه القيام بأشياء لا ضرر منها، ولا ضير عليها، فترى الطفل يشب وقد أمسى شديد الحساب لنفسه وللناس، شديد الحذر والتوجس من نفسه ومن الناس، يغشاه شعور صريح أو مضمر أنه مخطئ أو آثم) وبهذا تتكون عنده عقدة الإثم والحاجة إلى عقاب النفس.
وجاء في كتاب (أسس الصحة النفسية) للدكتور عبد العزيز القوصي، عند الكلام على (عقدة الأب)، منشأ هذه العقدة قسوة السلطة وصرامتها، وشدة الجو المنزلي ويترتب على قسوة السلطة وامتصاص الطفل لها، أن يعكسها على نفسه، ويعكسها على نفسه يكون قاسياً عليها شديد النقد لها، كثير التبرم بها، غير راض عنها، شاعراً بخطئه على الدوام، يخشى لوم الناس ونقدهم، ويحسب لهم ألف حساب، وعندما يعكسها على الناس يكون أيضاً شديد