الوثيرة، وفصلوها بالوسائد الحريرية، ونشروا أمامها البسط الهندية النفيسة، ثم زينوا ما بين فرجها بطاقات من الورود والرياحين، ونثروا من فوقها حمائل القناديل الزيتية الفنية البديعة، وفي الصدر كنت ترى مقعد السلطان يمتاز عن غيره بعلو يسير مجملاً من الممتاز من الحشيات والوسائد، وقد نصبت من فوقه قبة مدورة كبيرة من حرير خالص ذات أهداب ذهبية منتظمة.
وقد أمر السلطان أن تملأ البركة الكبرى من ماء النيل عن طريق قناتها الخاصة، وبث مماليكه وغلمانه بين أسواق القاهرة وحدائقها ليجمعوا ما يستطيعون جمعه من الورد. .
ثم نثروه في البركة؛ فاختلط شذاه بعنبر مائها، وغام على سطحها وعام، وابتل وجهه منها واخضل، وفتح فمه فنهل من مائها وعل، فدار على قدمه ساكراً، وانطلق لسانه شاكراً، وبنى للسلطان عرشاً على الماء، وعطر بذكره الأنجاء.
وحول هذه البركة أجتمع قراء المدينة ووعاظها يقرءون ويذكرون، حتى دنا منهم الليل، فانصرفوا في هداة منه بعد ما أصابوا من الطعام والشراب ما لذ وطاب، ولبثوا زمناً حالمين بما رأوا من لذة ونعيم.
كان الطهاة قد شمروا منذ الصباح عن ساعد الجد. يطهون الطعام، ويتأنقون في طهيه ما شاء لهم الفن والابتكار، ويبدعون في تنظيم أنواعه وتلفيق صنوفه، وتصفيفها بما يلبي عن ذوق سليم، يناسب هذا الحفل العظيم، وحشدوا لذلك مئات من الدجاج والإوز، وعشرات من الضأن السمين، وشنان من الماء القراح البارد، وجفان الفاكهة اللذيذة ما بين تفاح وكمثرى وأعناب، وهيئت أواني الحلوى التركية والشامية والمصرية، إلى غير ذلك مما أنفق عليه نحو ألف دينار، في ذلك الزمن الرغد الرخي الرخيص.
وما إن انصرف القراء والوعاظ حتى مدت عشرات الأسمطة الحافلة المنمقة، وامتلأت الموائد بالأواني الخزفية وغير الخزفية، ورص فوقها نحو أربعمائة صحن صيني، ثم وزعت المأمونية الحموية كل قطعة منها نصف رطل، وفاضت أطباق الأحمال والطير. . .
وأهل السلطان وفي إثره أقبل الجمع، واتخذ السلطان مكانه في المقعد السلطاني تحت القبة، وعن يمينه جلس قضاة الشرع والعلماء والكتاب والمباشرون ومن على شاكلتهم من طبقة