المتعممين، وعن يساره جلس الأمراء في أبهة أزيائهم وروعة أسلحتهم، وبجانبهم عدد من الأعيان.
وأنتشر في الميدان حوله كثير من الجند والمماليك الغورية يحافضون على الجمع الحافل، والعامة عن كثب تروح وتغدو، وتحدس ما يجري في داخل الميدان، ويظنون ما شاءت لهم الظنون.
أكل الأضياف هنيئاً وشربوا مريئاً، وبعد اطمئنانه أنصرف الجمع إلا عدداً من العلماء والأمراء استبقاهم السلطان ليجاذبهم أطراف الأحاديث ويتذاكروا معا شؤون الدولة، ويقلبوا ما مضى من أيامها المجيدة، ويرددوا ما تنشد من أحلامها السعيدة فقال السلطان: إن ليلتنا هذه من أسعد ليالي السلطنة.
فقال أحد القضاة: أجل يا مولانا إنها للعين قرة، وفي جبين الزمان غرة، أدام الله لمولانا الابتهاج والمسرة، وأطال عهد حكمه السعيد. . إن هذا الميدان ليدين بتلك الحياة الجديدة للمشيئة السلطانية الشريفة، الله ما أجمل القصر والبستان! وما أروع البركة والمجرى، وما أبهى الغرف والمقاعد! إن تلك القبة المضروبة فوق المقعد السلطاني الشريف وهذه البسط والوسائد الحريرية وهذه الموائد الشهية، ومن أجتمع حولها من أقذاذ الرجال، لتذكرنا بما يرويه التاريخ عن الملوك الصيد من خلفاء بغداد، أحيا الله بمولانا دولة الإسلام، وأعز به جانب الدين. .
السلطان: الفضل في هذا التنسيق والنظام يرجع إلى ناظر الخاص المقر علاء الدين وأعوانه.
علاء الدين: مولانا! الشكر لله وللمقام الشريف، إنما تم كل شيء بإرشاد مولانا وإشارته.
السلطان: كنا نود أن يشاركنا الخليفة الجديد في ليلتنا هذه. . . ما رأيك أيها القاضي في الخلافة وما قام بسببها من خلاف؟ ألا أننا حسمنا أمرها على خير وجوهه؟
القاضي: أجل يا مولانا! لقد كاد يستشري النزاع بين الخليفة يعقوب وابن عم أبيه خليل؛ فقد أدعى خليل أن يعقوب لا يصلح للخلافة لأنه أعمى، فرد عليه ابنه الناصري محمد قائلاً (وأنت أيضاً لا تحسن قراءة الفاتحة)! فلما أمر مولانا باختبار خليل وجدناه وهو يقرأ الفاتحة قد تعثر فيها وتلعثم، ولم يكمل قراءتها، وذلك للثغة في لسانه، وقد كنت عادلاً يا