محمود طه، وقد مات شاعر الجندول فلم لا أكون أنا في مكانه؟! ثم ماذا يريد مني أولئك الذين ينعتونني بعدم الشعبية؟ وهل من الضروري أن ينزل الشاعر إلى مستوى العامة وكلهم أميون؟ إن على الشعب أن يثقف نفسه ليفهم الشاعر، إن اللغة التي أنظم بها لغة القرآن ولغة العرب، وأنا على هذا الأساس لا أحسن اللغة العامية لأنظم بها حتى يفهم الرعاع. . أما الشعر السياسي، فأنا لا أحسنه أيضاً لأنه شعر الأقذار والدس والنفاق، ولا أريد أن أنحط إلى مستواه، ثم إنني أعتز بنظرية الفن للفن. هذا هو رأيي، فهل توافقني يا أخي الحبيب؟)
لم تأت الفرصة بعد للنظر في قصيدتي شبلي وابن حمد يس وأرجو أن يكون ذلك قريباً. لن تستجيب الدولة إلى اقتراحك يا أخي، فدون ذلك كثير مما لا تهتم به. . أما قصيدتك فقد دفعت بها إلى أستاذنا لزيات بك، ولعلها الآن قد أخذت طريقها إلى مطبعة الرسالة، وهي قصيدة جيدة في بابها (العاجي) وإني أعتمد على الله وعلى سعة صدرك التي أحمدها لك، فأصارحك بأنني أصبحت لا أميل إلى هذا اللون من الشعر إلا إذا ارتفع إلى قمة الخواطر الإنسانية الرفيعة، فأنا أرى أن أكثر ما يقال من الشعر في التعبير عن العواطف الفردية لا يهم إلا صاحبه. .
إنك يا أخي (غير شعبي) لأنك شاعر غنائي، عاجي باعترافك فلماذا تتهم من يصفك بصفاتك. .؟ وما دمت تحس بدافعك إلى هذا الاتجاه فمن العبث أن يلويك عنه أحد. . وما دمت لا تريد أن تشارك الجماعة مشاعرها فأنت وما تريد. غير أنه لا ينبغي لك أن تلوم الشعب على أن لا صدى لشعرك فيه، أنت تعرض عنه وهو يعرض عنك، وليست المسألة مسألة ثقافة وتعليم وإنما هو اتجاه يوافق أو لا يوافق، وليست المسألة أيضاً مسألة لغة عربية أو عامية، فمن الواضح أن الدعوة إلى اتصال الأدب بالحياة وعنايته بإحساس الجماعة ومسائلها، ليس معناها القول بالعامية. وما يضر الشعر إذا عالج التوجيه السياسي فحارب ما في السياسة من الأقذار والدس والنفاق؟
ولست أريد أن أسترسل قبل أن أبدي العجب من قولك إن الشعر العربي لم يجد شاعراً غنائياً بعد امرئ القيس إلا علي محمود طه!
ماذا أبقيت إذن للشعر العربي؟ هل أنا في حاجة إلى أن أقول لك إن الشعر العربي في