وأنا - شهد الله - لا أنكر خطر (كلمة) وفعلها في النفوس، وأثرها في العواطف، وخطرها في إثارة في العواطف، وخطرها في إثارة الانفعال، بل في زلزلة الجبال. .
أليست (الكلمة) هي التي أوحت إلى النحل أن تسلك سبل ربها ذللاً، فتأكل من كل الثمرات ثم تلفظها شهداً شهياً فيه شفاء للناس؟
فمن قال للصديق الكريم أنني هونت من شأن الكلام، أو أصغرت من قدر الأدب والبيان حين ضننت بالأدب أن يبتذل بالاستجلاب، أو يمتهن بالدعاء المجاب أو غير المجاب؟
إن الشعراء الصادقين - أيها الصديق - قد استجابوا لأصوات الشهداء في معركة (القتال) بالقدر الذي لا يخرج بشعورهم الغالي إلى رخص التمثيل، وهو أن التدجيل. . فقد نشر بعضهم في الصحف، وأذاع بعضهم في الإذاعة المصرية، ولم يشاءوا أن يجعلوا من (معركة التحرير) مناجاة حامية ترتفع فيها الأصوات الحارة يلب السلاح، وبالرغبة الخالصة في الكفاح، فيقال لهم: انتظروا حتى يتم الإشراف على الكتائب المحررة. . وما أشق الانتظار، على المجاهدين الأحرار!
ولعلك أيها الصديق قد أدركت معي الظروف التي أحاطت بي وأنا انظم قصيدتي (على طلقات المدافع) فهي ليست كفراً بالأدب، ولا جحوداً برسالته، ولا تهوينا من شأنه، ولا إغفالاً لخطره، ولا سوء فهم لوضيفته، ولا خروجاً به عن بيعته. . . وإذا كنت قد فهمت من قصيدتي ومن مقدمتها هذا الفهم، وعبت منها هذا القول الصحيح، فأنا أجل لأدبك وفهمك أن تكون الآفة فيهما. . ولكنك انسقت يا أخي وراء خلابة اللفظ، وشهوة الكلام فأحببت أن تتكلم، وأحببت أن تقيم دعابة عريضة (لرصف الألفاظ، وحشد العبارات). ونسيت أنني - أنا طرف لك في هذه الخصومة الأدبية - أكره الكلام في غير جدوى، وأمقت الألفاظ في غير طائل، وأضع الكلام موضعه حين أريد أن أتكلم، كما يضع الخبير الهناء مواضع النقب. .