لا يا سيدي! لم تكن القصيدة التي نظمها كفراً بالأدب ولكنها في الحق كفر (بالخطب)، وكفر بالمقالات والكتب. . في وقت تمنت فيه سواعد الشباب والشيوخ لو أتيح لها أن تشعر، ولكن (رئي) أن تعطل السواعد، وأن تديج بدلاً منها الخطب والقصائد!
ألست معي بأن نفوس الشعراء أو نفوس بعض الشعراء كان يغشها ضباب هذه العوامل النفسية الخفية، فوقفوا يتفرجون في صمت، أينظرون في عجب، حتى يزاح الستار عن الأسرار. . وإلا فبربك لماذا سكت أنت عن أحداث القناة وما عهدتك إلا ناطقاً؟ ولماذا لم تشترك في معركة (قناة السويس) بقلمك وأدبك في لحظة كانت أرواح الشهداء ودماء الأبرياء تتطلع إلى مثل (عباراتك) من وراء الغيب، وتهفوا إلى صرير قلمك من خلف الفراديس؟
والآن وقد انجلى غبار معركة القنال عن بعض الشهداء الأعزاء أراك قد أمسكت (القلم) وامتطى في يدك الخمس اللطاف. . وأفرغت عليه شعاب فكرك لكي تذكرني بما قاله (هازلت) و (سارتر) و (جورج برناردشو) في القلم وقوته، والبيان وسطوته
لا، لا يا أخي! لقد قرأت من زمان طويل ما قاله (هازلت) فنازلا، و (سارتر) فصاعداً. . ولعلك خبير بتسلسل هذه العصور في فرنسا وإنجلترا. . ولكنني قرأت من أسابيع فقط ما كتبه الشاعر الإنجليزي المعاصر (ستيفن سبندر) في مجلة نيويورك تيمس بوك ريفو الأميركية
عن رسالة الشعراء في الحياة، وهل نستطيع أن نعيش بدونهم. . ولعلك يا أخي قرأت خلاصة لهذا المقال في عدد نوفمبر سنة ١٩٥١ من مجلة (الكتاب) الشهرية التي تصدرها دار المعارف بمصر. . ولعله قد لا يعنيك أن تعرف مترجم هذا المقال الذي يستحي أن يتحدث عن نفسه ولكني أؤكد لك أن قصيدتي (على طلقات المدافع لم تكن صرخة يأس ولا صيحة قنوط. . ولكنها كانت نذيراً، ونذيراً قوياً لقوم يجهلون قيمة (المدافع)، في عالم ملئ بالشهوات والمطامع