عنها؛ إذ بقيت هذه المملكة حتى الغزو المنغولي، والدين الإسلامي غير منتشر بين الطبقة الحاكمة من الأتراك والبلغاريين فحسب، وإنما بين القبائل الفينية التي يتألف من أفرادها السود الأعظم من السكان. وعلى الرغم من ذلك، فإننا لا نعرف بالضبط المستوى الذي وصلت إليه الثقافة الإسلامية بين بلغاري الفولجا في الفترة نفسها.
وغنى عن البيان أن نشير إلى أن تضعضع المملكة الكيفيانية التي كانت تقع إلى الشمال الشرقي من روسيا الحديثة، والتي كانت تعرف باسم سوزادلي في محاذاة المملكة البلغارية، قد جعل الأخيرة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، المركز الرئيسي للحياة الروسية السياسية. وفي بداية أمسية الغزو المنغولي، أخذت روسيا تمد سلطانها على حساب المملكة البلغارية، حتى استولت عام ١٢٢١م على مصب نهر أوكا (أحد الروافد الرئيسية لنهر الفولجا)، وفي السنة نفسها بينت مدينة نجنى نفجورد
وتنحصر المشكلة، تحت وطأة هذه الظروف، في تتبع مصير الإسلام في أوربا الشرقية، في أمسية الغزو المنغولي، في مملكة الخزر.
زالت مملكة الخزر من سجل الوجود عام ١٠١٦م، حين هاجمتها القوات البيزنطية والروسية المتحالفة، فهزمت تلك القوات مجتمعة، آخر ملوك الخزر، وتقع أسيراً في أيديها. ومصير الإسلام في أراضي مملكة الخزر السابقة، بعد سقوطها في أيدي أعدائها، لم يدرس الدراسة التي يستحقها، ولم يعن به أحد، كما أعرف، حتى اليوم.
ومرد ذلك إلى قلة المصادر، ليست المكتوبة منها فحسب، وإنما الآثار الإسلامية نفسها، فإنها مشوهة وقليلة جداً. ولكي نفهم هذا الأمر فهماً دقيقاً، علينا أن نذكر أن أراضي مملكة الخزر السابقة قد صارت مسرحاً لحروب دامية ومدمرة، كانت تمحو من الوجود مدناً بأسرها، وتتركها أنقاضاً، وتنشأ فوقها في كثير من الأحيان، مدن حديثة.
ومن المحقق أن هذه الأنقاض تؤلف مصدراً خصباً للآثار الإسلامية، وأن عمليات التنقيب، لأسباب لا يتسع المجال لذكرها، لم تتجاوز في أحسن أوقاتها، المراحل الأولى، وفي كثير من الأماكن المهمة لم نبدأ أبداً. ونذكر على سبيل المثال أن موقع عاصمة مملكة الخزر أتيل لما يكتشف.
ولما كانت المدن التي بناها هؤلاء البرابرة في عهدهم الذهبي، قد قامت على أنقاض مدن