صاحب الدعوة، وعلى تقاليدهم في الترفع عن الضعيف المهين، والتعاظم على الذليل الحقير، وكادوا يفتكون بذلك الشاعر الآثم، وقدر رأيت (حصل أفندي) حسان الثورة، شاعر العرب والإسلام، ينكمش ويتململ ويلصق جسمه بمقعده وسرعان ما وقف صاحب الدعوة، ذلك الرجل الواسع الحيلة، الذي رسم خطته بحكمة وتدبر وقال: ليس فينا من لم يقم بنصيبه في قتال الأعداء، ولذلك أقترح تشكيل هيئة حاكمة منكم كالتي كما نشكلها في ميادين الثورة لمحاكمة من يخرجون عن مبادئها.
لم يطل النائب العام كلامه في بسط وقائع الجريمة لأن الخائن قد خانه دهاؤه وذكاؤه فاعترف بجريمته وعزا وقوعها إلى وسوسة الشيطان، وطلب بذل وضراعة أن يكون مستقبل أولاده رهينة عند إخوان عرفوه في حالتي قدرته على النفع وعلى الضرر.
اتجهت الأنظار صوب رئيس المحكمة، وتعلقت أنفاس اللئيم في شفتي هذا الحاكم الذي لا مرد لحكمه. . . وسرعان ما سمعناه يخاطب الجاني بقوله: ليس لي أن أدينك يا (حصل أفندي) بعد اعترافك. لقد كنت فيما مضى أستمد قوة حكمي من الخروج على القانون، أما الآن فكلنا خاضع لأحكام القانون وليس فينا، فيما أعتقد، من يرضى بإدانتك والحكم عليك، فلك وحدك أن تحكم على نفسك.
توهمت أن يد الشاعر امتدت إلى مسدسه تنتزعه من جرابه لتفرغ منه رصاصة في صدغه ولكن حصل أفندي كان في شبه ذهول أو غيبوبة.
علت الأصوات بالاحتجاج من كل جانب وقد أسكتها الرئيس بإشارة منه وقال: تعرفون أيها الإخوان أني أنا الذي أطلقت اسم (حصل أفندي) على صاحبنا هذا الذي كنتم تقولون أنه شاعر العرب والإسلام وإني حين كنيته تلك الكنية اعتباطا وارتجالا لم أكن أتوقع أن الحوادث وتطوراتها سترفع القناع عن داء دفين، وعلة لابدة في نفس هذا الذي كان دائما في مقدمة صفوف المجاهدين وقد انقلب فأضحى في طليعة أجراء المستعمرين.
ليس بيت ابن الوردي (لا تقل أصلي وفصلي) هو التخريفة الوحيدة في هذه القصيدة التي تدل على سذاجة نفس ناظمها وتفكيره الضحل، وهذا عيب شائع عند من يستشهدون بقول الشاعر اعتباطا وبدون روية.
لا أظن أن ابن الوردي كذاب منافق، إنما المنافق الكذاب حقا هو كارل ماركس واضع