أن تموت وتقبر في مهدها، ولكن جذورها النفسية وآثارها الأدبية لم تمت، فقد نبهت العقول الراكدة والنفوس النائمة إلى الواجب الوطني، في الوقت الذي شعرت الأمة بضرورة التقريب بين الطبقات، وحثت على محو الفوارق الاجتماعية التي لا يقرها الإسلام ولا تعترف بها المبادئ الإنسانية.
وقد كان لهذا الشعور العميق الذي شاع بين طبقات الشعب وعم أرجاء البلاد بعض الأثر في حياة الأدب. وكثيرا ما تكون الأحداث السياسية والثورات الوطنية مادة خصبة للبناء الأدبي ووقودا صالحا يشمل جذوة الحياة الأدبية بعد خمودها الطويل. وقد ساعد على ذلك أن لاقت الثورة الأولى نفوسا صافية وقلوبا واعية وأرواحا أدبية وثابة تتأثر بما حولها وتعبر عن آلام الشعب وآماله. ثم أنعكس شعاع هذه الثورة في الحياة الأدبية: انعكس في الخطابة فكان عبد الله النديم وأترابه، وغزا دولة الشعر فكان البارودي وكانت مدرسته وهي أولى مدارس الشعر المعترف بها في عصر النهضة، ونال الحياة الفكرية ما نال الخطابة والشعر من تجديد، وظهر ذلك واضحا في شخصية الشيخ محمد عبده وأستاذه الشريف جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق ومجدد القرن الرابع عشر.
ولم يكد يمضي الزمن بالثورة العرابية ولم تكد تأخذ مكانها في سجل التاريخ حتى تمخضت عن مولود هو (ثورة ١٩١٩) وقد أعادت هذه الثورة إلى الحياة المصرية سالف رونقها وأجرت في شرايينها دماء الثورة الأولى والدعوة إلى المثل. وهكذا تقدمت الحياة المصرية خطوة إلى الأمام بعد الثورة الثانية. وارتقى التعليم المدني تبعا لذلك فغادرة ميدان المدرسة إلى ميدان أرقى وأجل هو الجامعة المصرية القديمة. وقد كان الغرض الأول من إنشائها تثبيت مكانة مصر السياسية والاجتماعية والأدبية.
ومنذ ربع قرن تطورت الجامعة المصرية القديمة إلى وضعها الجديد الذي بدأت خطوطه الأولى في جامعة فؤاد الأول. ولكن الحياة الأدبية الرفيعة التي كانت تدب في مصر في ذلك الوقت ظلت مختنقة بين جدران الجامعة. أما المجتمع الخارجي الذي كان يتمثل في النوادي والمجالس الأدبية - فلم يكن مقياسا صحيحا يمثل ما اعتور الأدب من تطور في ذلك الوقت، وإن كان في ذاته يعتبر امتدادا طبيعيا لنوع من الحياة الأدبية الشعبية في تاريخ مصر. ولعلك تعجب أن نضطرب هذا التطور بين الجامعة والمجتمع وأن تختلف