وهيأ الجشع لبعض المعلمين أن يتجروا في الامتحانات، فيهبونها لمن لا يستحق في نظير مبلغ معلوم، وفاحت رائحة تزكم الأنوف، وضبطت حوادث كثيرة من هذا القبيل. وهذا باب ثالث من أبواب الفساد
جملة القول: هبطت قيمة العلم بالإضافة إلى المال، وتلوثت أيضاً أقدار العلماء والمعلمين، وهم حملة راية العلم، أصبحنا نجد رجالاً لا يمتون إلى العلم الصحيح بصلة يتصدرون المجالس ويتبوءون أرفع المناصب، ويتحكمون في المصائر، ويحكمون على غيرهم، وهم أبعد ما يكون عن المعرفة وعن صفات العلماء
والآن وقد قام الانقلاب على هدم أقدار الناس الذين يعتمدون على المال فقط، ومن أجل ذلك أصر الموجهون للثورة على تحديد الملكية، فلا غرابة أن تتغير قيمة العلم ومنزلة العلماء مع تغير قيمة المال
وما دامت الثروة قد أوشكت أن تفقد ما كان لها من سلطان ونفوذ وسحر وأثر في النفوس، فسوف يقضي على ألوان الفساد الذي تطرق إلى أبواب العلم
والموقف الذي تقفه مصر اليوم هو أشبه شيء بما كان يجري في اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد، حين تفشت الديمقراطية وهي حكم الشعب، ثم فسدت هذه الديمقراطية، وانتشرت طائفة من الفلاسفة والمعلمين يعرفون باسم السفسطائيين، يعلمون الناس الخطابة والبيان لحاجتهم إلى هذه الأسلحة في المجالس النيابية. ولكنهم كانوا يتناولون أجوراً باهضة على التعليم، ولم يكن غرضهم العلم لذاته؛ بل تعليم الخصم كيف يتغلب على خصمه بالحجة باطلة كانت أم صحيحة
فما أشبه العهد السابق بعصر السفسطائيين!
فلما جاء سقراط كان أول همه أن يكافح تلك الجماعة، فكان يقوم بالتعليم دون أجر، مع أنه كان فقيراً، يمشي في الأسواق حافي القدمين. وعلة الرغم من صلته بكثير من الأغنياء كان يرفض أن يمد يده إليهم
ثم كان ينشد في تعليمه الحق الخالص، لا يبغي تزييفاً أو نفعاً أو شهرة أو تغلباً على خصم. وذلك سخط السفسطائيون عليه، ودبروا له المحاكمة المشهورة في التاريخ، والتي انتهت بالحكم عليه بالإعدام. ولكم الروح التي بثها سقراط هي التي أثمرت وسرت ونجحت، فكان