الخلاف أو يخالفك في بعضه ويوافقك في بعضه الآخر. ثم تتحدثان إلى ثالث قد قرأ هذا الكلام فإذا له فيه رأي لم ترياه ولم يخطر لكما على بال ولعلكم إن سألتم الكاتب أو الشاعر الذي ألقى إليكم والى الناس هذا الكلام عما أراد به حين كتبه أو نظمه لم تجدوا منه جواباً مقنعاً ولا رداً مريحاً. أو وجدتم أجوبة مختلفة وردوداً متباينة، لأنه هو لا يعرف بالضبط ماذا أراد حين كتب أو نظم أو كان يعرفه أثناء الكتابة والنظم ثم ذهب عنه بعد ذلك، أو كان يعرفه فلما أتم الكتابة والنظم وترك ما كتب ونظم حيناً عاد إليه يقرأه فإذا هو يفهم منه غير ما أراد ويتبين منه غير ما كان قد قصد إليه.
وقد يخطر لك أني أقصد بهذا النحو الكلام إلى شيء من العبث أو الدعابة، فذد عن نفسك هذا الخاطر فلست بصاحب عبث ولا دعابة. وإنما أنا صاحب جد كل الجد وأنا أكتب هذا الكلام بعد أن فرغت من قراءة قصة لذيذة قيمة ممتعة للكاتب الفرنسي جورودو. صاغها في صيغة القصص التمثيلي ووضع لها العنوان الذي وضعته أن لهذا الفصل، ونشرها في عددين من مجلة باريس.
وقد قلت إن هذه القصة لذيذة قيمة ممتعة وأنا أريد ما أقول، ولعلي مقصر حين أكتفي بهذه الأوصاف وحسبك أني قرأتها ثلاث مرات وسأقرؤها إن أذن بذلك الوقت وسمحت به الظروف. وقد وجدت قي كل قراءة لذة ومتاعاً وأنا واثق بأني سأجد في القراءة الرابعة لذة ومتاعاً. ولكني على ذلك كله لم أفهم ما أراد الكاتب أو قل فهمت أشياء مختلفة وأغراضاً متباينة، ما أظن أن الكاتب قد أراد إليها أو فكر فيها. وقد أسأت الظن بنفسي فأقرأت هذه القصة قوماً آخرين وجدوا فيها لذات لم أجدها ومتاعاً لم أشعر به. ولكنهم كانوا مثلي عاجزين عن أن يفهموا بالدقة أو بالتقريب ما أراد إليه الكاتب حين كتب قصته هذه البديعة الغريبة. ثم انتهى بنا الأمر إلى أن اتفقنا على إن الكاتب لعله لم يرد شيئاً أكثر من أن يثير في نفوسنا وقلوبنا هذه الخواطر والعواطف وهذه الأهواء والميول. وعلى أن الكاتب لعله أراد أن يذهب بالكلام مذهب الموسيقيين بالموسيقى، فلا يقصد إلا إلى أن يثير في نفسك ضروباً من العواطف والأهواء حول فكرة خطرت له وأثرت فيه فصورها كما استطاع في هذه الألحان التي قد تطابق ما في نفسه وقد تقصر عنه وقد تتجاوزه وتربى عليه. ولكنها على كل حال قلما تنقل إلى نفسك صورة صحيحة مطابقة لما كان في نفسه، وقلما تثير في