للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان أسم هذا الرجل (لوفن هوك اسم عفى عليه النسيان أو كاد، ورجل لم يشد بذكره أحد، يجهله الناس اليوم كما كانوا يجهلون حيواناته ونباتاته الضئيلة يوم أن رفع الغطاء عنها. هذه قصته، قصة أول كاشف للمكروب، تتلوها قصص من تبعوه من كشاف المكروب ومقاتلة الموت، وهي قصص ساذجة بسيطة لقوم جريئتين لحاجين متشوفين مثابرين، أطلوا على هذه الدنيا الجديدة العجيبة، دنيا المكروبات، وأطالوا النظر فيها وتابعوه في غير ملل أو كلل، وأرادوا فوق ذلك أن يشبروها ويمسحوها ويجعلوا لمجاهلها ومعاميها خرائط واضحة مبينة، فأخذوا يتحسسون في الظلام، ويمدون أكفهم متلمسين غير لامسين، فيستقيمون حيناً ويخطبون أحياناً، ويصيبون مرة ويخطئون مراراً، لحلوكة المكان ووعورة المسير.

ومهم جماعة غلوا في الجرأة فقتلتهم تلك الخلائق الصغيرة التي كانوا يدرسونها فلم يصيبوا جزاء ما عملوا إلا مجداً صغيراً مستوراً

في أيامنا هذه لا يؤخذ على المرء أن يكون رجل علم، ورجال العلم اليوم عنصر خطير من العناصر التي تتألف منها سكان البلاد المتحضرة؛ معاملهم في كل مدينة، وأعمالهم على الصفحات الأولى من الجرائد، تذاع في الكثير الغالب ولما يتم نضاجها، وكل متخرج شاب في جامعة يستطيع أن يبحث في العلوم جهاراً، وفي منته رويداً رويداً أن يصير أستاذاً يدرس بمرتي فيه غناء، وأن يستمتع بالسكن الهادئ في بيت صغير مريح. ولكن احمل نفسك إلى عصر (لوفن هوك)، إلى خمسين ومائتي سنة إلى الوراء، وتصور نفسك قد رجعت إلى داراك من آخر درس في آخر سنة من مدرستك الثانوية، وبدأت تفكر فيما تتعلم من بعد ذلك لتخلق لنفسك مستقبلاً، وتهيأت تطلب المزيد من العرفان العالي، من العلم الجر، من البحث الطليق. . . هيهات

او تصور ان التكلف، ما كنهه، ما سببه: تسال والدك ليقول لك: لعنة من روح خبيثة دخلتك. هذا جواب قد لا يقنعك، ولكن مع هذا تصدقه، أو على الأقل تتظاهر بتصديقه، ثم لا تعود تفكر في الكاف ولا في كنهه ولا في سببه، ثم تنساه نسياً ابدياً، لأنك لا تستطيع ان تجهر بمناقضة ابيك ولو قال نكراً، ولأنك إن فعلت اذاقك مس العصا او طرد البيت. فابوك ذو سيادة مطلقة لا تُنازع ولو جائرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>