وتزعم هذه الحكومات الطاغية دائماً بأنها تحظى بتأييد الأمة المطلق، وتحاول دائماً أن تتخذ من إجماع الصحافة المصفدة المسيرة دليلاً على هذا التأييد؛ ولكن كيف يعرف رأي أمة لا يسمح لها بإبداء الرأي، وكيف يوصف شعور أمة نحو الطغاة، وهي ممنوعة بالقوة عن إبداء هذا الشعور؟ إن حكومات الطغيان تسن من القوانين الاستثنائية ما يكفل إخماد كل صوت وكل رأي معارض، ثم هي لا تقف عند هذه القوانين، بل تلجأ في أحيان كثيرة إلى إجراءات الهوى، فتنزل بأولئك الذين يجرءون على معارضتها أشنع العقوبات من قبض واعتقال ومصادرة، بل ومن إعدام، كل من ذلك دون قانون ودون تحقيق أو محاكمة؛ وليس من المبالغة أن نقول إن الحياة البشرية في هذه الأمم، أضحت كالحريات العامة، دون ضمان وطمأنينة؛ وما زلنا نذكر كيف أن مئات من الألمان أزهقوا في ٣٠ يونيه الماضي بيد هتلر ومعاونيه لريب في تأييدهم للنظام القائم؛ وقد أهدر دمهم جميعاً لأن (الزعيم) أراد إعدامهم وكفى
تصفد الحرية الفكرية بهذه الأغلال حيثما يقوم الطغيان (الدكتاتورية). وقد كان البلاشفة أول من أخضع الصحافة لهذا النظام الحديدي، فلقيت في ظل العهد الجديد ما لم تعرفه في ظل القيصرية من القيود والأغلال المرهقة، ولم تلبث أن استحالت إلى أداة رسمية صماء لا رأي لها ولا إرادة، وخفت الرأي العام الروسي منذ ثمانية عشر عاماً فلا يعرف العالم لخارجي عنه شيئاً؛ وحذت الفاشستية حذو البلشفية في استبعاد الصحافة وإخماد هذا المتنفس الذي قد يثير حولها الصعاب إذا ترك طليقاً؛ ثم اقتفى الكماليون هذه الخطة في تركيا، وفرضوا على الرأي العام أغلالاً لم يعرفها في العصر الحميدي؛ ولما قام الطغيان الهتلري في ألمانيا، كانت أولى وسائله لتوطيد سلطانه أن يسحق الرأي العام الألماني، وذلك بسحق الصحافة متنفسه الطبيعي. وقد ذهب الهتلريون في ذلك إلى حدود لم تعرفها أشد عصور الطغيان
كان في ألمانيا، قبل أن يغمرها طغيان الوطنية الاشتراكية، صحافة عظيمة زاهرة تعد في مقدمة أعظم صحافات العالم؛ وكان لها نفوذها القوي في توجيه الرأي العام وفي التعبير عن رغبااته وميوله، شأنها في كل الأمم العظيمة. ولكن زعماء النظام الجديد أدركوا قوة