للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصحافة وخطرها على نظم الطغيان، فسحقوها بيد من حديد ووضعوا لها تشريعاً استثنائياً خاصاً يسلبها كل حرية وكل استقلال في الرأي، وجعلوا منها صناعة رسمية، ومن محرريها المسئولين عمالاً للحكومة؛ وأنشأوا وزارة خاصة للدعاية، تتمركز فيها جميع عناصر الوحي والرأي والقول في ألمانيا كلها؛ ولم يحجموا بذلك عن أن يمزقوا بيدهم آخر الأقنعة التي تستتر بها الدكتانورية، وأن يعترفوا جهاراً بأنهم هم الذين يوجهون الصحافة ويغذونها بكل عناصر القول والرأي؛ ولم يصفد الهتلريون الصحافة السياسية فقط، ولكنهم صفدوا كل أنواع التفكير والكتابة؛ والأدب والشعر، والفنون والعلوم وكل ألوان الثقافة، وجعلوا منها جميعاً أداة لبث مبادئهم وتمكين سلطانهم من أعناق الأمة التي يدعون الوصاية عليها. ومنذ أيام قلائل أصدرت الحكومة الهتلرية قانوناً استثنائياً جديداً يشدد أغلال الصحافة الألمانية ويقضي على آخر المظاهر التي بقيت لها. وقد وصف القانون الجديد بأن القصد منه (صون استقلال الصحافة) والواقع أنه يقضي على أخر ما بقى لها من لمحات الاستقلال، والمقصود به بنوع خاص أن يقضى على الصحافة التي تمثل مصالح المهن والطوائف والجماعات العامة، وعلى الصحافة الكاثوليكية التي ما زالت قوية في جنوب ألمانيا وغربها. وهو ينص على حرمان كل شخص لا ينتمي إلى الجنس الآري من العمل في الصحافة وكل متعلقاتها؛ وإذا أريد تغيير ناشر الصحيفة أو محررها وجبت موافقة السلطات؛ وإذا رؤى في أي جهة من الجهات أنه يوجد من الصحف ما يزيد عن حاجتها عطل منها ما كان زائداً عن الحاجة، وقد نص أيضاً على تعطيل جميع الصحف التي تعنى بنشر الحوادث الجنائية والاجتماعية ووصفت في المرسوم بأنها (صحافة الفضائح)، والخلاصة أن القانون الجديد لا يفسح مجال الحياة والظهور لغير الصحافة النازية الحكومية

ولقد كانت هذه الضربة الجديدة لقتل صحافة عظيمة مثار الاشمئزاز حيثما تقدس حرية الفكر والرأي، واستقبلتها الصحافة الإنكليزية بعاصفة من السخط؛ وكتبت (التيمس) مقالاً رناناً قالت فيه؛ (إن خضوع الشعب الألماني أمام تقييد حرياته ومورد أخباره يعتبر حادثاً مزعجاً جداً. وكيف يستطيع الشعب الألماني بعد ذلك أن يقف على الظروف الحقيقية للسياسة الدولية من هذه المصادر التي تقدم له الآن. وكيف يفهم الألمان عبارة (الاعتزال

<<  <  ج:
ص:  >  >>