السياسي) في أوربا، وهي عبارة يرددها زعماؤهم وهي في الغالب من صنعهم وتدبيرهم؟ وهل يفهمون الظروف الحقيقية التي قتل فيها الدكتور دولفوس المستشار النمساوي؟ والتي دبرت فيها مذبحة ٣٠ يونيه في ألمانيا؟ وما يلقاه اليهود والسجناء السياسيون، وما يكون لهذه الأمور من أثر في الرأي العام الأوربي؟) وقالت الجارديان:(أن الصحافة التي كانت في ألمانيا من أعظم الحرف وأرفعها، تنحدر الآن إلى الحضيض. وليست الجرائد (النازية) الحالية التي حلت محل الصحف التي كانت من قبل من أمهات الصحف العالمية، سوى وريقات لبث الدعاية الخاصة؛ ولم يبق أثر للحرية الفكرية والجدل والمناقشة. وكان من مفاخر هذه الحرفة الكريمة في ألمانيا أن عدداً عظيماً من كتابها وصحفييها آثروا الخراب والنفي والسجن على هذا الانحطاط الشنيع) ثم تتساءل الجارديان:(فهل بقي في الشعب الألماني روح حي يأسف على ضياع حرياته الفكرية والقلمية أو يثور على تلك التدابير التي تخذ لسحق هذه الحريات بصفة نهائية؟)
والواقع أن الصحافة الألمانية سقطت من عداد الصحافات العظيمة مذ تولى الهتلريون الحكم؛ ولم تفقد كل قوتها ونفوذها السياسي والاجتماعي فقط، ولكنها فقدت كل قوتها ونفوذها السياسي والاجتماعي فقط، ولكنها فقدت كل خواصها ومميزاتها الثقافية الممتعة التي كانت من قبل فجر التفكير الألماني؛ وأخذت الصحف الألمانية العظيمة تختفي من الميدان تباعاً بعد أن فقدت مركزها وخاصة قرائها، وامتدت النكبة إلى الصحافة الأدبية والفنية والعلمية، فأخذت تنحدر إلى نفس المصير المحزن؛ وتسيرها نفس الدعاية السياسية والثقافية التي غمرت ألمانيا؛ وغدت الصحف الألمانية العلمية التي كانت من قبل أسفاراً جليلة تحمل على الإعجاب والاحترام، أدوات للدعاية الهتلرية، تحدثك باستمرار عن نظريات (الزعيم) في خواص الجنس الآري، وانحطاط الأجناس السامية، وتفوق السلالة الألمانية، وأصول الثقافة الجرمانية القديمة، ويغره من المبادئ والنظريات الجنسية المتعصبة التي أصبحت ظاهرة الحياة العامة في ألمانيا، وأضحى أصدقاء الثقافة الألمانية الحرة في حيرة من هذا الخلط المحزن بين الحقائق والغايات العلمية، وبين النظريات والدعيات الحزبية التي جعلتها وزارة الدعاية الهتلرية فوق كل شئ في حياة الشعب الألماني وتشعر الدوائر العلمية والأدبية والطبقات المفكرة الألمانية عامة بخطر هذا التيار