وينسون الدرس، لان ناشئتنا من الجهل بآداب الاجتماع بحيث لا يعلمون معنى القصد في الأمور، ولا يقنعون إذا تركوا وشأنهم بما دون الإمعان في العبث
ونتيجة هذه الحال السائد في مدارسنا أن معظم الطلاب - سواء متقد موهم في العلوم ومتخلفوهم - يغادرون المدارس وهم مزيج من الخجل والتبجح والغرور والنفاق، إذا انفرد أحدهم رايته على جانب كبير من الخجل والعجز والحصر، وإذا اجتمعت فئة منهم ارتد خجلهم تبجحاً وحصرهم صخباً وعجزهم جرأة على الفساد؛ وبينما تؤدي العلاقة بين المعلم والمتعلم في إنجلترا إلى صداقة مثمرة في مستقبل الحياة تنبت الصلة بين المعلم والطالب عندنا بانتهاء العام الدراسي، حتى لقد يتقابل الاثنان فيتغاضى الطالب عن معلمه، أو يخاطبه في لهجة جريئة متطاولة، وفي كلتا الحالين لا يأسي المرء ألا على ما بهذا المسلك من دلالة على فشل التربية وعبث المجهود المنفق فيها.
والعلة في هذا ترجع إلى نظام مدارسنا التي تجعل ملء الرؤوس بالمعلومات الغاية الكبرى بل الوحيدة من التعليم، فتشغل كل أوقات المدرسة بها، فيرى المدرس - المرهق ببرنامج حافل - وقته أضيق من أن يصرف جانباً منه في مباسطة طلابه ومناقشتهم في شتى الشؤون العامة التي تمت إلى الحياة وتشغل بال كل ذي حظ من الإنسانية ونصيب من الثقافة، فتنقطع الصلة الإنسانية بين المعلم والطالب، ويترك الطلبة وأنفسهم يشبعون تلك الرغبة الفطرية في التنافس وتبادل الأفكار بثرثرتهم في أوقات الفراغ - وأوقات الدروس إن استطاعوا - ولما كانوا قد عدموا إرشاد المدرس بفكره الذي هو أرقى وشخصيته التي هي أقوى من شخصياتهم وأفكارهم فإنهم يتجهون عادة إلى السفساف من الأمور، ويألفون الثرثرة الفارغة التي لا نهاية لها ولا غاية، ويختارون قدواتهم في الحياة من خارج المدرسة أخذيها عن شخصيات قد لا تكون جديرة بالإعجاب أو محمودة التقليد
أما مخالطة الطلاب لمعلميهم فأنها - فضلاً عن صقلها لآداب المعاملة وحسن الذوق بينهم وعما تنميه فيهم من صفات الرجولة - تفتق أذهانهم وتسمو بهم إلى درجات من التفكير عالية، وتلقي ضوءاً على مواهب كل منهم وميوله، وتفسح أمامهم المطامع، وتبعث فيهم شتى الغايات يجعلونها نصب أعينهم في الحياة، على حين لا تتجاوز مطامع ألا كثرين منهم اليوم اجتياز الامتحان ونيل الشهادة