وما أمامه وما خلفه، كل ذلك في خطى الكهرباء، فلم أكد أتم الخطوة الرابعة حتى كنت نفساً ولا جسد
وأخذت هذه القوة الجديدة تتخيل صورة الشيخ وتحاول رسمها، فإذا دأبت في هذا السبيل جاهدة، انبعثت ذرات الرهبة، فتوثبت على القلب فاختل نظام دقاته، وهنالك تضطرب النفس فلا تقوى على المضي في مهمتها، لذلك لم ترسم الصورة حتى صرت على قيد خطوات من صاحبها، فتقدمت إليه حتى استويت أمامه. لم يكن في وسعي ولا في وسع سواي أن يصافح الشيخ دون أن ينحني، إلا أن يركع، ما لم يكن قصيرا، ولست بقصير. ذلك أنه يجلس على كرسي لعل مقعده أدنى إلى الأرض مما يعهد في كل كرسي، ولم ينهض الشيخ عنه ليصافحني واقفاً، وربما كان لا يعرف الوقوف من أسباب التحية، فلا مناص لمن شاء مصافحته من الانحناء، ثم لا مناص لمن استأذن عليه من المصافحة، ومن يدري؟ لعل هذا الكرسي القصير إنما دبر تدبيراً، ثم إن هذا الكرسي قد عوض عن قصر أرجله رحابة في صدره، حتى لقد تبينت الشيخ من الكرسي ولم أتبين الكرسي من الشيخ
صافحت الشيخ منحنياً ولا بد، فإذا كف نحيل لعل الرف يؤذي عظمه، فلقد أحسست أنني أقبض على حزمة من الأقلام، بل أحسست أكثر من ذلك بالمفاصل الدقيقة لكل إصبع، وكأنما انفرطت عظامها في يدي فما يستعصي عدها علي! لكأن هذه الكف ترتفع من تلقاء نفسها إلى فمي، فلقد علمت إنني رففتها، ولعل ذلك إكبار ولعله رفق بالضعف، ولا سيما وهو ضعف الكبر؛ ولشد ما يحنو بعض القوة على بعض الضعف؛ إذن فقد انحنيت فصافحت ثم قبلت، وخطوت بعد ذلك إلى الكرسي الواحد الذي يشاطر الغرفة كرسي الشيخ، ثم تحركت حدقتا عيني فطافتا ببعض الحجرة وميضا حتى استقرتا لحظة على صاحبي محمد علي بخش وقد ألصق ظهره بالجدار، وأمال رأسه إلى الأمام قليلا، وشبك أصابع كفيه على صدره تحت لحيته؛ وجمد كذلك كأنه التمثال
سألني داعي الدعاة عن موقع المدينة من نفسي، ثم عن الصحافة المصرية وحظها من النهوض، فلما أن فرغ من أسئلته وحان دوري في السؤال، وكنت أعلم أن التحدث في مسائل الدين هو أشهى الأحاديث لدن رجاله، وأعلم إلى ذلك علماً ليس بالظن أن أقران الشيخ لا يفتأون ينعون على الناس تركهم أمر الآخرة، فكل امرئ عندهم مفرط مهما تخفف