من زخارف العاجلة وتولى يرتجي الآجلة، ما يألونه إذ يرونه ذلك النصح الممزوج بالتعنيف والاتهام، فهم متسخطون متبرمون رغما من رغم، أثرة بالكمال من دون الناس، فقد استهللت بالأسف لإهمال المسلمين أمور دينهم وأمور دنياهم معاً، وكأنما قلت للسيل انهمر، فقد تدفق الشيخ فلم يترك في معجم الألم كلمة إلا قالها، ولا حركة إلا أتاها، بعينيه وشفتيه وكفيه، قال بلسانه العربي المبين - وقد أسلفت أنه من سلالة عربية قريبة العهد بموطنها الأول، اليمن:(إن دولة الإسلام قد انهارت أركانها في كل مكان، ودكت حصون الدين وسقطت معاقله، حتى عادت أطلالاً نناجيها) ثم راح يبعث قول الشريف الرضي:
ولقد مررت على ديارهمُ ... وطلولها بيد البلى نهبُ
فبكيت حتى ضج من لغب ... نضوى ولج بعذلي الركب
وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب
قلت: هل يرى مولانا أن تخلف العالم الإسلامي ناجم عن إهمال الدين؟ قال:(عن إهماله فقط، وليس في أداء فرائضه وحسب، بل في التأدب بآدابه، بل في الاستمساك بأسباب التعاون والمودة، وإطراح الخصومة والعداوة والبغضاء، وحدب الغني على الفقير، واطمئنان الفقير إلى الغني، وخشية الله والآخرة، واتقاء الخزي والندامة، والحسرة والعذاب يوم القيامة)
قلت: وهل من أمل في إصلاح ما انهدم؟ فانبسطت أسرة الشيخ دفعة واحدة والتمعت عيناه، وطالعني منه صوت يتجلى فيه الحزم والعزم والإيمان والبأس الشديد وهو يقول:(نعم. إن الأمر لله في دين الله، وإنه ليحميه ويعلي كلمته حين يشاء، ولكنما يترك الأمر للناس حتى يسلموا بالفشل ويتئسوا من النهوض، وإذ ذاك يقضي الله فإذا الحق في الذروة والباطل في الرغام)
قلت: أفلا يحاسب رجال الدين على شيء مما نرى من أمر الدين.؟ فسكن الشيخ لحظة ثم قال: (أعلم أن كثيراً من الناس يقومون برجال الدين ويقعدون، ولكن ما لذي يسع رجال الدين أن يفعلوا إن كانوا في شعب متخاذل مستضعف؟ إنهم إذ ذاك لا يفضلون أبناء شعبهم، ولعلك تعلم أن الفساد جرثومة سريعة العدوى؛ وهب أن بين رجال الدين من امتنع من جرائم الفساد، فماذا يفعل وأهل أمته كلهم ذلك الحواري الذي شهد على عيسى بن