مريم؟!. أفتدري كيف تقهر الأمراض العصية في الأجساد، إن أحدث أسباب ذلك وأصدقها نتيجة أن يلقح الجسد المريض بعين الجراثيم التي تمرح فيه، ولم ينتبه الطب إلى ذلك إلا بعد قرون من تنبه الحكام إلى أثر هذه الوسيلة نفسها في أخلاق المحكومين، ولن يعدم زمن من الأزمان، ولن تبرأ جماعة من الجماعات، من أشرار وإن قلوا، وتلك سنة الحياة، وقد احتال الظلمة وافتنّوا في الاحتيال، حتى استكشفوا أن رجل الدين الصالح لا يقهر إلا برجل الدين الطالح، ثم هم يزودون صاحبهم بقوة المال وسطوة البطش والعدوان، ويذودون عنه بعد ذلك إن أحدق به خطر، فإذا سئلوا في ذلك قالوا، إنما نرفع كلمة الدين ونعيذه من الهوان
وتنفس الشيخ برهة ثم قال:(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وقد نزل الدين سهلاً مفهوماً، فلنأخذ بمبادئه التي لا تحتاج إلى رجال الدين، فإذا استقرت هذه الأوليات في النفوس، سهل علينا أن نميز الصالح من الطالح من رجال الدين فنأخذ عن أولهما وندع الآخر. على الآباء والأمهات جميعاً بهذه المهمة، كل يؤدب أبناءه بأدب الدين منذ الصغر، قبل أن يبلغ الطفل أشده، فيصبح تحت رحمة القانون والبيئة والمطامع)
قلت: وهل من سبيل إلى تخفيف الفساد؟ قال:(نعم، ولكن أسباب التخفيف لا تعرض هكذا على بساط الريح، فلابد من البحث والروية والتثبت، ولا سيما ونحن نريد أن نعالج جماعات كثيرة مختلفة العلل، وقد يصلح لهذه من الدواء ما يزيد تلك علة على علة، ولذا وجب أن يجتمع أطباء الدين والأخلاق من كل جماعة أطباؤها، فإذا تذاكروا جميعاً حتى اهتدوا إلى العلة المشتركة، تذاكروا حتى يهتدوا إلى الدواء المشترك. المؤتمرات، على أن تكون خالصة لله وحده، نقية من الدخلاء، بريئة من الشبهات، حرة أكمل حرية، مطبوعة بإنكار الذات والإيثار دون الأثرة) وسكن الشيخ برهة وقد بدا على محياه أنه يطلب الراحة؛ ثم ضغط على جرس كهربائي مثبت على منضدة صغيرة أمامه، فإن هي إلا ثوان معدودة حتى أقبل من داخل الحجرة خادم يحمل بيمينه لفافة من قماش، تقدم بها إلى الشيخ فتناولها منه، ثم مد بها يده إلى ناحيتي، فخطوت إليه وأخذتها شاكراً، وودعت داعي الدعاة بعد أن ألقيت على سمعه ما واتاني به الله من كلمات الشكر والتقدير
أما لفافة القماش، فقد تبينت بعد أن باينت الغرفة أنها (شال) من الكشمير وسط في صنعته