للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقيمته، ثم علمت أنه نفحة الشيخ لكل زائر غريب، وإنما تختلف قيمتها بقدر ما للزائر من مكانة في قومه، وأما غرفة الزيارة فرحيبة تكاد تتسع ثلاثين متراً من نصفها، يرتفع سقفها على عمد من رخام، عارية الجدران من الصور، حافلة الأديم ببساط أبيض عار من زهو النقوش، وقد أسلفت أنه لم يكن بها إلا كرسيان للشيخ ولي، ولعل هذه البساطة في مظاهرها والرحابة في اتساعها مما يزيدها رهبة ويزيد صاحبها إجلالاً. أما الشيخ فأنه من نحول الجسد ورقته كأنما إياه كان المتنبي يعني لما قال:

كفى بجسمي نحولاً أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني

وهو على شدة نحوله ليس بالطويل القامة، كأنه غاندي، لولا أن وجهه المستطيل خفيف السمرة، مشرق الديباجة، متسع العينين حتى لتملأن نصف وجهه، حديد البصر، كأنما تطل نفسه المطمئنة من عينه، ضاحك السن في وقار كثير، تنبئك مظاهره كلها بأنه رجل موطأ الأكناف حقا. وقد استتر رأسه تحت طاقية بيضاء، وغطى جسمه بجلباب أبيض، وهو في غرفته مثال نادر الأنداد للبساطة في الغنى، والتواضع في الجاه

كررت إلى جادة القصر يصحبني محمد علي بخش، فمضينا إلى مسجد القصر متحدثين بالإنجليزية فأنه لا يعرف العربية، فإذا نحن حيال مسجد حديث البناء أنيقة، متوسط السعة، مفروش بالسجاد، ذي ثلاثة أبواب، اثنان منها لدخول المصلين من الرجال، والثالث لدخول المصليات من النساء، وقد فصل بينهن وبين الرجال في رواق المسجد جدار رقيق لا يتصل بسقفه، أما المنبر فمن الخشب الثمين المتين وقد خلا من كل زخرف، كل ما في المسجد ناطق ببساطته، خلا ثرياته الثمينة التي تؤلف في انتظامها أروع الشكول. فلما فرغنا من تفقد المسجد دعاني صاحبي إلى التدريج إلى أعلى القصر، حيث أعد به موضع يشرف على المدينة كلها، فترى منه واضحة المعالم جلية الرسوم، ولولا سدول الليل لاستطعت في هذه القمة إحصاء مساجد (بمبي) وعد حدائقها، وتبين أعلامها والتحديق في ميادينها، على أنك لا ترى المدينة وحدها من هذه القمة، بل ترى البحر وعبابه ينساب إلى عالم المجهول.

القاهرة

محمد نزيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>