عادة، وعبثاً يحاول القانون أن يصد التيار، أو يقيم الجرف المنهار، وهكذا تقاد الأمم بأذنابها، وتأتم بضلالها. وقس يا صاحبي على هذا أزياء النساء. فتنافس التجار فيها هو الذي يطيلها ويقصرها، ويطلع كل يومين ببدعة تبين عما دق من المرأة وجل، وما ظهر وما بطن. ولست أجد بداً من ذكر الحقيقة (العارية)، وهي أن النساء الخليعات هن القدوة في هذه السبيل، يلبسن ما يلفت النظر إليهن، ويميزهن من غيرهن، فيروق النساء الأخر هذا الزي، والمرأة لا تحب أن تغلب في زينتها وتجملها. فيصير هذا الخروج على السنن سنة مألوفة وطرافة (مودة) معروفة. وما ترى في ألبسة البحر من تغير مستمر غايته أن تبرز المرأة عارية متزينة؛ فهذه سبيله، تبدأ به الخليعات الجريئات فتتهافت عليه الأخريات
ووراء هذه جماعة من تجار الكتاب، والفسقة المفسدين؛ يريدون أن ينالوا رغائبهم بشريعة، ويفسدوا في الأرض على علم فيكذبون على الجمال والفن والحرية ما شاءت مآربهم، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويسمون الرذائل بغير أسمائها، فالفسق إعجاب بالجمال، وكل خليعة فنانة، وكل خليع أستاذ، ويتنافس أصحاب المجلات في كتابة ما تحبه النفوس المريضة، وعرض الصور التي يهفو إليها الشبان، لا يبالون في سبيل المال أن تصلح الأمة وأن تفسد، وتعمل التجارة عملها حتى تجد الرجل الحريص على الفضيلة، الداعي إليها إذا ابتلى بمجلة أغضى عن مفاسدها، فصار له رأي في نفسه، وفي غير مجلته، وعمل آخر تجاري في المجلة. وقد عجبت لبعض الكتاب المعروفين بالغيرة على الأخلاق، والتنديد بالخلاعة والمجون، وبدع العصر الحاضر، إذ رأيت المجلة التي يشرف عليها تنشر من الصور والكلام ما لا يلائم آراءه، ويوافق مواعظه
- ٢ -
قال صديقي: والشيء بالشيء يذكر، وملكات الجمال ما ترى فيهن؟ لقد سرت البدعة إلينا، قلت استمع: كنت في الصيف الماضي ذاهباً إلى إيران فعرجت على لبنان أياماً. وبينا أنا في ظهور الشوير، رأيت الناس يزدحمون، ويستبقون إلى بعض الفنادق وسمعت أن هذه الجموع وتلك الوفود تتزاحم لتشهد اختيار ملكة الجمال في لبنان. قال رفيق لي: قد سرت العدوى إلى البلاد العربية، فقلت غاضباً: كلا. قال ألست ترى وتسمع؟ قلت لا أكذبك، لست أرى في هذه الأزياء ولا أسمع في هذه الرطانات عروبة، فلا تعد هؤلاء من العرب