وقرأت منذ أيام أن ناساً اجتمعوا في حمانا من لبنان لاختيار امرأة يسمونها ملكة الجمال، وأن قنصل مصر ببيروت رأس هذا الجمع فأسفت أن شغل القنصل الفاضل نفسه بهذه السفاسف، وشارك في هذه المخازي. وقرأت عن انتخاب آخر في بكفيا. وحمدت الله، إذ لم أجد من المنتخبات اسماً يدل على عربية أو إسلام
وقرأت من بعد في الجرائد عن حماقات كهذه في الإسكندرية، فرأيت الداعين إليها بين صاحب ملهى يريد أن يجذب الناس إليه، وصاحب جريدة غير عربية يبغي رواج جريدته، وأمثال هذين. وبعد قليل رأيت صورة الملكة وقرأت أحاديث عنها، فعلمت أن فتاة أسمها شارلوت سماها بعض ذوي المآرب ملكة الجمال في مصر، ولقبوها مس إيجبت ورشحوها للذهاب إلى بروكسل لتشارك في مباراة الجمال. قلت شارلوت ليس اسماً مصرياً، ومس إيجبت لا تعرفها مصر، فما اهتمامك بجماعة من الحمقى أرادوا أن يشهروا فتاة، أو يشهروا بها، أو يتملقوا إليها، أو ينالوا مالاً أو لهم مآرب أخرى. ثم تذكرت ما سطرت في أول هذا المقال، تذكرت أن زمام الأخلاق في هذا العصر بأيدي هذه الطغمات وأشباهها، وأن هذا الذي تستنكره اليوم سيصبح إذا سكتنا عليه، عادة تعد المجادلة فيها ضرباً من الأفن. وفكرت أن مس إيجبت هذه ستذهب إلى أوربا باسم مصر، وتشارك في سوق الرقيق هناك، وتبوء مصر بكل ما في ذلك من عار وحماقة. فرأيت أن الأمر جدير بالاهتمام، وأنه إن سكت عنه عقلاء الأمة صار سنة، وظن المفسدون، كما تسول لهم مآربهم، أنها سنة حسنة ينبغي ألا تحرم منها مدينة أو قرية، وقد وفدت على مصر من قبل ملكة الجمال في تركيا فلم يستح بعض الوقحين من طلبة الجامعة أن يقترحوا أن يحتفل بها في نادي الجامعة. من مبلغ عنا هذه الفتاة، أنا لا نعرفها ولا نعرف جمالها ولا ملكها، وأن القحة البليغة أن تذهب إلى أوربا مدعية أن مصر أرسلتها، ومصر بريئة منها وممن يرسلونها. ليت شعري أرضى المصريون: الحكومة والأمة بهذه السبة. هل رضوا أن تنوب عنهم على رغم أنوفهم فتاة تذهب إلى بروكسل زاعمة أن مصر أرسلتها
كنت أحسب أن موقف مصر الحاضر بين دولة مستعبدة، ودولة مهددة سيخرج بطلاً أو بطلة، تهيب بالمصريين ليغسلوا العار، ويحموا الديار، أو نرسل وفداً يدفع عن حقوق مصر عند عصبة الأمم؛ فإذا السفهاء في شغل عما يحيط بهم باختيار امرأة يرسلونها إلى