وكانت كلما ألحت في الصمت والبكاء، ألح هو في التلطف والرجاء، وكانت ذيتيس تدرك ما أثارته في قلبه من غرامه القديم، فدلت وتاهت، حتى أيقنت أنه منقاد لما تطلب، ولو كلفته بهدم الأولمب، وثل عروش السماء!
- (أ. . . . أخيل. . . .!)
- (أخيل؟. . . ماله؟. . .)
- (ما كفاني أن يذهب ليلقى حتفه تحت أسوار طروادة، حتى يهينه أجاممنون!)
- (يهينه أجاممنون؟ يهينه كيف؟. . .)
- (أغضب قديس أبوللو وكاهنه الأكبر، ولم يقبل أن يرد عليه ابنته خريسيز؛ فغضب الراهب الشيخ ودعا ربه، فسخر الطاعون على الهيلانيين، حتى كاد يبيدهم، فلما طلب إليه أن يرد ابنة القديس على أبيها الشيخ، أبى، وأخذته العزة بالإثم فلما ألح عليه أخيل، ولدي البائس، إنقاذا للجيش، وإبقاء على أبناء هيلاس، رضى أن ينزل عن الفتاة، إذا نزل له أخيل عن بريسيز. . .
وآثر أخيل حياة المحاربين ونجاتهم، فنزل عن الفتاة للقائد الغاشم. . .)
- (. . . ثم. . .)
- (ثم هو الآن يحترق بينه وبين نفسه، وقد اعتزل الحرب، وخلا وحده في معسكره، يهضم أحزانه، وتهضمه الآلام. . .)
- (لا عليك يا ذيتيس! لا عليك يا حبيبتي! قري عينا. . . قري عينا. . . فبما أخذه الناس بغير ما ينبغي له، لأذيقنه وجنوده البلاء المبين!. . .)
وعادت ذيتيس جذلانة بعد أن طبع على جبينها المتلألئ قبلة. . . كم كان يشتهي أن يطبعها على فمها الخمري. . . لولا أن ذكر أنها زوجة. . .!
زلزلت ذيتيس قلب الإله الأكبر بدلالها وقوة فتونها، وأرق طيفها الرائع جفنيه، فلم يذق طعم الكرى تلك الليلة بطولها. . . فهب من مضجعه السندسي فوق سدة الأولمب، واستدعى إليه إله الأحلام، فأمره بالذهاب من فوره إلى معسكر الهيلانيين
(. . . فإذا كنت ثمة فانطلق إلى فسطاط أجاممنون، فداعب عينيه، واجثم على قلبه، وقل له، وهو يغط في نومه العميق، إن الإلهة تأمرك أن تصبح فتنفخ في بوق الحرب، حاضا