رحلاته العلمية ولما استوعب ما يدرس في بلدته من علوم الفقه والعربية والحديث والتفسير تطلع إلى الزيادة وعزم على الرحلة إلى علماء البلاد المجاورة للاستفادة من علومهم فرحل إلى البصرة وإلى الأحساء وإلى مكة والمدينة والتقى بعلماء تلك البلدان وأخذ عنهم واستحصل على الكتب والمراجع، ولنترك المجال لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ليحدثنا عن تلك الرحلات المباركة، قال:
إنه نشأ في طلب العلم وتخرج على أهله في سن الصبا، ثم رحل لطلب العلم للبصرة مرارًا وللأحساء ثم إلى المدينة، ثم قال في تفصيل ذلك:
فظهر شيخنا بين أبيه وعمه فحفظ القرآن وهو صغير، وقرأ في فنون العلم وصار له فهم قوي وهمة عالية في طلب العلم فصار يناظر أباه وعمه في بعض المسائل بالدليل على بعض الروايات عن الإمام أحمد والوجوه عن الأصحاب، فتخرج عليهما في الفقه وناظرهما في مسائل قرأها في الشرح الكبير والمغني والإنصاف لما فيهما من مخالفة ما في متن المنتهى والإقناع، وعلت همته إلى طلب التفسير والحديث فسافر إلى البصرة غير مرة، كل مرة يقيم بين من كان بها من العلماء، فأظهر الله له أصول الدين ما خفي على غيره وكذلك ما كان عليه أهل السنة في توحيد الأسماء والصفات والإيمان. . . . إلى أن قال: فصنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله بتصنيفه القريب والبعيد، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث. . . . إلى أن قال: ثم إن شيخنا رحمه الله بعد رحلته إلى البصرة وتحصيل ما حصل بنجد وهناك رحل إلى الأحساء وفيها فحول العلماء منهم عبد الله بن فيروز أبو محمد الكفيف، ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ما سر به، وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد، وحضر مشايخ الأحساء ومن أعظمهم عبد الله بن عبد اللطيف القاضي فطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري ويبين له ما غلط فيه الحافظ في مسألة الإيمان، وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدر به البخاري كتابه من الأحاديث والآثار، وبحث معهم في مسائل وناظر، وهذا أمر مشهور يعرفه أهل الأحساء وغيرهم من أهل نجد. . . . إلى أن قال:
ثم إن شيخنا رحمه الله رجع من الأحساء إلى البصرة وخرج منها إلى نجد قاصدًا الحج فحج رحمه الله، وقد تبين له بما فتح الله تعالى عليه ضلال من ضل باتخاذ الأنداد وعبادتها من دون الله في كل قطر وقرية إلا ما شاء الله، فلما قضى الحج وقف في الملتزم وسأل الله تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته وأن يرزقه القبول من الناس، فخرج قاصدًا المدينة مع الحاج يريد الشام فتعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه وسلبوه وأخذوا ما معه وشجوا رأسه، وعاقه ذلك عن مسيرة مع الحجاج فقدم المدينة بعد أن خرج الحاج منها فأقام بها وحضر عند العلماء إذ ذاك منهم محمد حياة السندي وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها وقراءة لبعضها ووجد فيها بعض الحنابلة (١) فكتب كتاب الهدي لابن القيم بيده وكتب متن البخاري وحضر في النحو وحفظ ألفية ابن مالك - حدثني بذلك حماد بن حمد عنه رحمهما الله ثم رجع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله، انتهى المقصود.
الدرر السنة (٩ / ٢١٥ -٢١٦) .
فأنت ترى أيها القارئ من هذا السياق قوة الأسباب التي بذلها الشيخ لتحصيل العلم: كثرة الحفظ وكثرة القراءة والاطلاع وكثرة الرحلات في طلب العلم للتلقي عن العلماء مع شدة الذكاء والنية الصالحة، إن هذه الأسباب مع توفيق الله تعالى كفيلة بتوفر التحصيل وهذا ما حصل.