فبينما أنا مصغ إلى منادمة أزهارها، على حافات أنهارها، إذ صاحت فصاحة أطيارها من أوكارها، فأول من صوت الهزار، ونادى على نفسه بخلع العذار، وباح بما عنده من الأسرار، وقال: أنا العاشق الولهان، أنا الهائم اللهفان، أنا الواله الظمآن، إذا رأيت فصل الربيع قد حان، ومنظره البديع قد آن، تجدنى في الرياض فرحان، وعلى الأغصان أردد الألحان، أغنى فأطرب، وأدير كأسى فأشرب، فأنا من نشوتى سكران، ومن نغمتى طربان، إذا زمزم النسيم، وخفقت أوراق أغصان البان، أرقص على العيدان، كأن الزهر والنهر لي عبدان، وأنت تحسبنى في ذلك عابثا، لا والله ولست في يمينى حانثا، إنما أنوح حزنا لا طربا، وأبوح ترحا لا فرحًا، لأننى لا أجد روضة إلا نحت عليها وعلى أضمحلالها، ولا خضرة إلا تبلبلت على زوالها، لأني ما رأيت صفوة إلا وتكدرت، ولا عيشة حلوة إلا وتمررت، وقد قرأت في محكم القرآن (كل من عليها فان) فكيف لا أنوح على عيش يزول، وحال يحول، ووصل عن قريب مفصول، فهذه الجمل من شرح حالي تغنى عن الفصول، وفي ذلك أقول: