النبوي لم يكن هو المقصود بالمضامين الدعوية فقط، وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعد هذه الجماعة لتولي أعباء قيادة الأمة الإسلامية تلك القيادة الراشدة التي أخرجت الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن تسلط النظم والفلسفات المادية إلى آفاق الحرية الحقة في رحاب الإسلام، والذي يؤكد هذه الدلالة أسلوب مخاطبة الروح الجماعية في الروايات الثلاث لأول خطبة جمعة للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، والإطار المرجعي الذي صيغت رموز الخطبة من خلاله، وهو خلاصة خبرات جماعة المسلمين الأولين في المدينة وتجاربها وما تعلمته من الوحي ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فخاطبها الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال هذه التجارب.
٣ - استثارة الدوافع الإيمانية والإنسانية: فقد جاءت الوصية بالتقوى ومراقبة الله تعالى في السر والعلانية في الروايات الثلاثة للخطبة ففي الرواية الأولى قال صلى الله عليه وسلم: «أوصيكم بتقوى الله فإن خير ما وصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله» .
وفي الرواية الثانية:«من استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة» .
وفي الرواية الثالثة قال صلى الله عليه وسلم:«فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا واتقوه حق تقاته» ، وجاءت استثارة الدوافع الإنسانية في الدعوة للتكافل في المجتمع الإسلامي والبذل للمحتاجين , ولا يستهان بالقليل فإنه كثير عند الله، ومن لم يجد فلا أقل من أن يواسي إخوانه في المجتمع الإسلامي بالدعاء والكلمة الطيبة، فالكلمة الطيبة صدقة كما في هذا القول الذي جاء في الرواية الأولى والثانية، بينما في الرواية الثالثة جاءت الدعوة صريحة إلى التحاب في ذات الله تعالى والوفاء بالعهود، قال صلى الله عليه وسلم: «تحابوا بروح الله