للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

دستوري خاص، يحمي الحقوق والحريات التي يتمتع بها فعلاً الشعب الإنجلنري، وإنما تحميها تقاليد الشعب ذاته وعاداته وأوضاعه النفسية، وعرفه الاجتماعي، أي في نهاية التحليل يحميها ما يمكن ان نسميه الروح الإنجليزي بالذات.

فليست الديمقراطية إذن في أساسها عملية تسليم سلطات تقع بين طرفين معينين، بين ملك وشعب مثلاً، بل هي تكوين شعور وانْفعالات ومقاييس ذاتية واجتماعية، تشكل مجموعها الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية في ضمير شعب، قبل أن ينص عليها أي دستور، والدستور ما هو غالبا إلا النتيجة الشكلية للمشروع الديمقراطي عندما يصبح واقعاً سياسياً يدلُّ عليه نص توحي به عادات وتقاليد، ويمليه شعور في ظروف معينة، ولا يكون أي معنى لهذا النص إن لم تسبقه التقاليد والعادات التي أوحت به، أو بعبارة أخرى المبررات التاريخية التي دلَّت على ضرورته.

ومن هنا تبدو بكل وضوح تفاهة تلك الاستعارات الدستورية التي تستعيرها اليوم بعض الدول الإفريقية الآسيوية الناشئة، التي تريد إنشاء الوضع الجديد في بلادها، بالقياس على المنوال الذي تستعيره من بعض البلاد ذات التقاليد الديمقراطية العريقة، إن هذه الاستعارة تكون تارة لازمة ولكنها لن تكون بكل تأكيد وحدها كافية، إن لم تصحبها الإجراءات المناسبة لبثّ ما يستعار في نفسية الشعب الذي يستعيره.

ومهما يكن في الأمر، فقد تبيَّن من الآن، أن الجواب على السؤال المعروض في هذا البحث؛ هل توجد ديمقراطية في الإسلام؟ لا يتعلق ضرورة بنص فقهي مستنبط من السُّنة والقرآن، بل يتعلق بجوهر الإسلام بصفة عامة وعلى وجه الخصوص، ومن الوجهة التي تهمنا هنا، فإنه لا يسوغ لنا أن نعتبر الإسلام كدستور يعلن سيادة شعب معين، ويصرح بحقوق وحريات هذا الشعب، بل ينبغي أن نعتبره، في سياق حديثنا، كمشروع ديمقراطي تفرزه الممارسة، وترى

<<  <   >  >>