ثم يذكر النبي عليه الصلاة والسلام، هذه التوجيهات كلها في حجة الوداع، في خطبته بهذه المناسبة، وهي الخطبة التي وضعت فيها ظروف هذه الحجة وملابسات التاريخ معنى الوصية الروحية التي خلفها الرسول لمن يأتي بعده من أجيال المسلمين. ومعنى التصريح بحقوق الإنسان حيث يقول عليه الصلاة والسلام:
«يا أيّها الناس إن ربّكم واحد. وإن أباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. إن أكرمكم عند الله أتقاكم. ليس لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميّ على عربيّ، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر، فضلٌ إلا بالتقوى ... ».
فهذا الحديث يكمل في مناسبة يملؤها الجلال والتأثير، فلسفة ومنهج الإنسان في المشروع الديمقراطي الإسلامي.
ولكن إذا كانت لهذا المشروع هذه الأسس النظرية، فلا بد أن يكون له من ناحية أخرى، آثاره الملموسة في صيم الواقع: في الأعمال الفردية والحقوق والضمانات التي يتمتع بها الفرد، وفي الأعمال الصادرة من الحكم وفي امتيازاته، وحدود سلطته، وفي كيفية تكوينه أو صورة شرعيته، أي في جميع الصفات الظاهرة للديمقراطية.
ولا شك أن لهذه الآثار وضوحاً أكثر، في فترة التخلق الدستوري، التي تصب خلالها النصوص النظرية في الحقائق الاجتماعية، في أعمال وسلوك الجيل الذي وضع المشروع الديمقراطي الإسلامي في طريق التحقيق، من اليوم الذي أشرقت فيه الهداية المحمدية إلى يوم صفين.
وتأثير المبادئ في هذا المجتمع الناشئ يظهر أكثر ما يظهر في الجانب المحسوس، كما تظهر حدودها المتصلة بهذا الجانب في واقع الحياة الاجتماعية.